عزيزي الذي أناديه لأشعر بالأنس
عزيزي الذي أناديه لأشعر بالأنس، لا لأنه يجيبني..
أنت والأيام، تلك التي تأملتُ أن تهدأ عليّ قليلاً وتخفّف كرهها لي نَصبتما لي فخّاً فظيعاً!
لا شيء يهدأ سوى الحماس والشغف، لا شيء يتضخم ويركض بهيكله الضخم سوى اليأس والتيه، لم تهدأ الأيام، ولم تُهدِني إياك، بل دعْك منك، لم تهدني الأيام شيئاً، تقدُمها يزيدها صعوبة ويزيدني تملصاً من متابعة عيشِها، أنا كما عهدتني أعيش دون أن يدري أحد بي، لا الأيام، ولا الناس، أعيش على أطراف أصابعي، بسريّة، وكأنّي أقترفُ ذنباً، مع أني لا أقترب من مخلوق، ولا أودّ أن يقترب أيّ مخلوق مني، لكن من المُحتَم أن أعيش هكذا حتى ما لم أؤذِ شيئاً، لأنّ الحياة لي بالمرصاد، كمدرّسة صارمة، فوراً وعند أول همسة تصدر مني تقطب حاجبيها وتضع إصبعها على فمها منذرة إياي بضرورة السكوت حالاً، صوتي ثقيل عليها غالباً، لم تَرُق لها نبرته وتعابيره ولم تستسغهما.
لم تستسغني الحياة، كأنني لا ألائم مذاق فهمها، ولم تستسغ أنت اقترابي، كأنّي لا ألائم أحلامك عن الحبّ، مجدداً دعك من نفسك، ومن الحياة، ودعني منكما، ربما كنتُ مَن لم أستسغ نفسي منذ البداية؟
أبصرْ تناقضي، أخاطبك، وأوجّه الرسالة إليك وأقول في ذات الوقت: دعْني منك؟
من سيفهم هذا التناقض؟ من سيصدق أنك لست كائناً وينتبه إلى أنّ الجملة الأولى في رسالتي كانت حقيقة؟ فأنت عزيزي الذي أخاطبه لأشعر بأهميتي، لأحسّ أن أحداً مهتم بمعرفة أخباري، رغم أنه مُختلَق من قبلي، كما أخبرتك بالضبط، أنت عزيزي الذي أناديه لأشعر بالأنس، لا لأنه يجيبني، وكم كان حمقاً أنني تمنيت أن يجيبني، كيف؟ وقد اختلقته من بنات أفكاري؟ أنت ذاتي الأخرى المصنوعة لأحبّها بدلاً من ذاتي الأساسية التي لم أستسغها، فكيف أنتظر إجابة؟ حتى الصدى لن يجيب ويردّد صوتاً كهذا، ذلك أنّه صوت حادث في أعماقي، لم أنبس به قَطّ، أنسيت أن الحياة تُسكتني بمجرد أن أتكلم؟
اترك تعليقاً