البَنسيون

البَنسيون

خَبَر في جريدة، “الجمعة، 23/7/2010”.

“أفاد شاهدُ عيانٍ من أهالي منطقة (…)، أنه عثر على جوال من الخيش مربوط بطريقة غريبة، ومُلقى بإحدى الأماكن المخصّصة للقمامة؛ حيث تبيّن أن بداخله جثّة فتاة لا تتجاوز السابعة عشر من عمرها، بدا على وجهها وجسدها شبه العاري، أنها قد تعرَّضت لعنف شديد، غير أنه كان هناك قَطع غائر بالرَّقبة”

***

بَنسيون (…)، “الأربعاء 1/9/2010”.

-مُمكن لو سَمحت أحجِز أوضة بسرير؟

-عندك كام سنة؟

-عندي “17”.

-ممكن البطاقة؟

-اتفَضَّل.

-انتي طالِبَة يا آنسة “عبير”؟

-أيون.

-هو في العادي ممنوع بِنت تسكن لوحدها هِنا، لازم يكون معاها أبوها أو أخوها أو جوزها، بَس إحنا حلّينا الموضوع دَه وعملنا مكان مخصّص للطّالبات اللي زيك، وله باب لوحده كمان عشان الخصوصية، بس مُش كان الأفضل إنّك تقدّمي في المدينة الجامعية؟

-مَلحِقتش أقدّم ورقي والأماكن كلها اكتَملت.

-عمومًا خير، بتجيلنا حالات زي دي كتير، ممكن توقّعي على الورقة دي؛ وتدفعيلنا القيمة اللي فيها، أصل الإيجار هنا بيندفع مقدَّمًا، عَشان تِستلمي المفتاح.

-أكيد طبعًا.

يا عم “سيد”، تعالى وصّل الآنسة أوضة “12”، السَّكن الخصوصي.

-متشكّرة جدًّا.

***

 

أنا “كَمال”، ساكِن هنا في البَنسيون، وِدَه كان الحوار اللي سِمعته بين البِنت اللي جاية تِسكن جديد، وبين “مِدحت” موظّف الريسيبشن؛ لأنّي متعوّد أقعُد في المكان دَه كُل يوم الصُّبح، بَعد ما بَجيب سندوتشات من مطعم قريّب، وبَفطَر قَبل ما أروح شُغلي.

مِن فترة؛ اتقَبلت في وظيفة محاسب في شركة كبيرة، ولأنّي من الأرياف وماليش شقّة هِنا، استقرّيت على البَنسيون دَه، سِعر الأوضة فيه مُناسب، لأنّي جرَّبت كذا مرَّة أسكن مع ناس مَعرفهاش بيتشاركوا في شُقق، بَس مَكُنتِش حابب الحِكاية دي؛ فكان دَه أفضل حل بالنسبالي.

أنا مُش ساكِن هِنا من فترة طويلة، يادوب لسّه مكمّلتش أسبوعين، حتّى أوّل مرّة أعرف إن هِنا سَكن مخصَّص للطّالبات، خلَّصت أكلي وقومت، روحت عند الكاونتر بتاع الرّيسبشن؛ ولمّا “مدحت” أخد باله منّي قالّي:

-صباح الخير يا أستاذ “كَمال”، صحّة وهَنا.

ابتَسَمت وقولتله:

-صباح النور، الله يهنّيك، هو إيه حكاية سَكن الطّالبات اللي هِنا.

-الحاج “نَجيب” صاحب البّنسيون عامل جزء من المَبنى سَكن خاص، الباب بتاعه من الشّارع اللي ورا، عارف أنت أوضة “12” دي، هي اللي في ضَهر أوضتك علطول، بتِفصِل بينكم حيطة.

-دي حاجة كويّسة فعلًا.

-أنت كِدَه مُش متأخّر على شغلك؟

-لا عادي، لسّه نُص ساعة، هوصَل قبل ميعادي مَتقلَقش.

-أنا مبسوط والله إنك ساكِن معانا، أنا كمان مُش بتكلّم مع السّكان إلا نادرًا، وأنت شخصيّة كويّسة عشان كِدَه قلبي اتفَتحلك.

-دا شيء يسعدني، أنت كمان باين عليك ابن حلال.

***

خَرَجت وروحت شغلي، مُش قادِر أقولّكم أنا مَبسوط قد إيه إنّي لقيت الفرصة دي، كُنت بَسعى بكل طاقتي عشان أثبت نَفسي، وأوصل في يوم من الأيام وأمسِك مَنصب في الشّركة، مَفيش حاجة كانت شاغلة بالي غير إنّي أجتَهِد، استغلّيت كُل ساعة عشان أطبَّق أفكار كانت في دماغي، عاوز أثبت للإدارة إني مُش مجرّد محاسِب وخلاص، دا أنا عندي فِكر وقدرة على التطوير، وبسَبب دَه، كُنت لمّا بدخل الشّركة الساعة 8 الصّبح، مَبفتكِرش نفسي غير الساعة 4 العصر، وأنا خارج وراجع البّنسيون.

في اليوم دَه، اشتريت وجبة كشري، ومعاها علبة كانز سيفن أب، دخلت البَنسيون، وأنا طالع كان كاونتر الريسبشن فاضي و “مدحت” مُش موجود، طلعت على أوضتي، كُنت مقتول من الجوع، بمجرّد ما دخلت غيّرت هدومي وقعدت آكل، وبعدها شدّيت كُرسي وقعدت قدّام الشّباك، كان على الشّارع، وكُنت بحب أقعد قدّامه وأنا مشغّل الراديو على نجوم إف إم، دي كانت تسليّتي لِحَد ما أنام، لمّا طبعًا مَيكونش ورايا حاجة بجهّزها عشان شغلي.

فَضلت على كِدَه لحد ما السّاعة بقِت 11 بالليل، الإرهاق كان قاتِلني؛ فقرَّرت أنام، دخلت الحمّام قبل النّوم؛ ولمّا خَرَجت، سِمعت صوت لَفت انتباهي، كان جاي من الأوضة اللي في ضَهر أوضتي.

وقفت افتِكر كلامي مع “مِدحت”؛ لمّا قالّي إن اللي بيفصل بيني وبين أوضة “12” يادوب الحيطة، بدأت أقرّب عشان أعرف إيه سَبب الصّوت، لَكِن اتفاجئت إنه صوت البِنت اللي سمعتها الصّبح وهي جاية تُسكن، كانت بتُصرخ، وبتطلب من حَد إنه ميقرّبلهاش ويسيبها في حالها!

مَكُنتِش عارف أتصرّف إزّاي، أنا أعرف إن دَه سَكن خاص، يعني شيء مُستَبعد إن حد يدخلُه أو يدخُل أوضة بِنت، عَشان كِدَه الموضوع كان غريب، بَس الحكاية مَوَقفِتش لِحَد كِدَه، دا أنا بدأت أسمع خَبط، زي ما تكون البِنت بتِحدِف حاجة في حد، ومع الوَقت؛ لقيت الخَبط دَه بدأ يسمَّع في الحيطة اللي بيني وبينها!

مَفكّرتِش غير في إنّي أنزِل تَحت؛ عَشان أبلَّغ باللي سِمعته، لازم إدارة البَنسيون تاخُد خَبر، مَتردِّدتش كتير، خرجت من الأوضة ونزِلت، روحت عند كاونتر الرّيسيبشن؛ لكنّه كان فاضي، أنا عارف إن في الوَقت دَه “مِدحت” بيكون نايم، والرّيسيبشن بيكون فاضي، لأن مفيش حَجز أماكن بَعد الساعة “9” بالليل، مَكَنش قدّامي غير إنّي أروحله أوضته، كانِت في نهاية مَمَر بابه ورا الكاونتر، فَتحت ودَخَلت وروحت عند الباب وخبَّطت عليه، وفضِلت أخبَّط لِحَد ما فَتح، ولمّا شافني استغرب، أنا أوّل مرّة آجي هِنا وأصحّيه، ولمّا شافني سألني كان صوته كُلّه نوم وهو بيقولّي:

-خير يا أستاذ “كَمال”، هو في حاجة حصلت ولا إيه؟!

-في صوت خَبط وصريخ جاي من الأوضة اللي ورايا، تقريبًا كِدَه حد بيتعرَض للبِنت اللي ساكنة جديد.

رد عليّا وهو مَذهول وقالّي:

-إزّاي بَس اللي بتقوله دَه، مُستحيل حاجة زي دي تِحصل، الباب اللي ورا عليه أمن، محدّش يقدر يدخل هناك خصوصًا بالليل.

-دَه اللي حَصل، أكيد أنا مُش نازِل دلوقت من فراغ يعني، أنا على العموم بلَّغتك.

ولقيته بيبُصّلي كِدَه وبيقولّي:

-طيّب لحظة؛ هغيّر هدومي وجاي معاك.

انتظرته لِحَد ما خلَّص وخرَج معايا، ولمّا طلعنا الريسيبشن اتفاجِئنا بالبنت واقفة على الكاونتر، أوّل لمّا شوفناها أنا وَقفت ومِتكلِّمتش، لكن هو بحكم إنه موظَّف في المكان، بدأ يتكلّم معاها ويقولّها:

-خير يا “آنسة” عبير، في مُشكلة؟!

ردّت عليه وهي متعصّبة وقالتله:

-حضرتك بَفتح حنفيّة الحوض؛ لقيت المايّه نازلة شكلها غريب، لونها أحمَر غامق، أنا مُش هعرف أقعُد كِدَه.

بَلع ريقه وأخَد نَفَس عميق وهو بيبُصّلي وبعدين قالّها:

-انتي أوّل مرّة تفتَحي الحنفيّة من الصّبح؟

-لأ، فَتحتها كذا مرة، بَس من شويّة حصل اللي قولتلك عليه.

-مُمكن تكون المواسير قديمة شويّة، ويكون دَه صَدَا نِزِل مع المايّه، إن شاء الله هخلّي السّبّاك يشوفها الصّبح.

ردّت عليه بكُل هدوء بعد ما كانت غضبانة وقالتله:

-متشكّرة، ياريت لأن الوَضع كِدَه هَيكون صعب.

وساعتها هو ابتسملها عشان يلطّف الجَو وقالّها:

-مَتقلَقيش، دي أوّل حاجة هعملها الصُّبح إن شاء الله.

بعدها سابِتنا ومشيت، لكن بمجرّد ما بدأت تتحرّك لقيته بيندَه عليها، وهي بمجرّد ما سِمعته رِجعت تاني، وساعتها قالّها:

-آنسة “عبير” انتي في حاجة حصلت من شويّة أزعَجِتك؟!

كان باين على ملامحها إنها مِستغربة السؤال، لكنّها ردّت عليه وقالتله:

-لأ أبدًا، مَفيش غير اللي قولتلك عليه بّس.

وبمجرّد ما سِمع ردَّها بصّلي، وبعدين قالّها:

-طيّب اتفضّلي انتي، وإن شاء الله المشكلة دي هَتتحل الصُّبح.

بعدها فِضِل يبُصّلي شويّة، لِحَد ما أنا استَغربت طريقته معايا وقولتله:

-مالك، بتبُصّلي ليه كِدَه؟!

-عَشان أنت سِمِعت بنَفسك منها إن مَفيش حاجة حَصَلِت.

-عاوز تقول إيه؟!

-يعني، مُمكن الصريخ والخَبط دَه كان جاي من برّه، أو من أي مكان تاني غير أوضتها، أو بعيد عن البَنسيون عمومًا.

مَكَنش قدّامي غير إنّي قولتله:

-مُمكن فعلًا، أنا طالِع أنام، تصبح على خير.

لكن كان واضِح أنّه بيرُد عليّا غصب عنّه وهو بيقولّي:

-وأنت من أهل الخير يا أستاذ “كمال”.

لمّا طِلِعت؛ قفلت شبّاك الأوضة وطفيت النّور، اتمدّدت على السرير وكُنت بَبُص في السَّقف، النّوم كان هربان منّي بطريقة غريبة، ومع الوقت؛ بدأت أسمع الصرخات اللي سمعتها من شويّة، وكان برضو نَفس صوتها، وهي بتطلب من حَد إنه يسيبها في حالها، قومت من السرير وقرّبت من الحيطة، لِدَرجة إني لزقت وداني فيها؛ عشان أتأكّد إن اللي سامعه بيحصل فعلًا، مُش مجرّد هلاوِس، فضِلت أسمَع لِحَد ما الموضوع وصَل إن بقى في صوت خَبط من تاني، وشويّة الخَبط بدأ يبقى في الحيطة اللي بيني وبينها، بدأت أرجع لِورا وأنا مِحتار، كُنت بفكّر أنزِل تاني وأجيب “مِدحت” يسمع بنفسه، لكن بَعد اللي حَصل مَكَنش عندي الجرأة إنّي أعمل دَه.

مع الوقت كُل دَه انتَهى، مَعُدتش سامع صوت ولا خبط، رجعت قعدت على السرير من تاني، الوقت أخدني لِحَد ما النهار طِلع، بدون ما عيني تغمَّض، قومت وغيّرت هدومي ونزِلت، وفي الرّيسيبشن لقيت “مِدحت” على الكاونتر، كان بيفطر، ولمّا روحت عنده لقيته بيقولّي:

-افطَر معايا يا أستاذ “كَمال”.

ردّيت وأنا مبفكّرش في أي حاجة غير في اللي حَصَل وقولتله:

-لا شكرًا أنا ماليش نِفس.

-أنت في حاجة مضيقاك؟

استغربت سؤاله، لكن ردّيت عليه وقولتله:

-قصدك إيه؟

-كان مالك امبارح بالليل؟!

-مَفيش حاجة، سِمعت صوت وقولت أبلَّغك.

-ما أنا قولتلك، وارِد جدًّا يكون أي صوت من بَرَّه ولا حاجة.

-مُمكن.

وسيبته يكمّل فطاره وروحت قَعدت مكاني، ومَفيش دقايق، ولقيت البِنت داخلة من الباب وجاية على الكاوِنتر، وبمجرّد ما وَصَلِت؛ لقيتها بتقول لـ “مِدحت”:

-أنا هَستِلم طَرد النّهاردة فيه حاجات شارياها، بَس أنا عندي مشاوير كتير ومُش هَرجع غير آخر النهار، أنا سايبة للمندوب عنوان البَنسيون، وبلَّغته إن الكاونتر هَيستِلم مكاني، ياريت لو تِستلمه لِحَد ما أرجَع.

-مُمكِن طبعًا يا آنسة، وعلى فكّر أنا كلِّمت السّبّاك من بَدري وهو على وصول.

ولقيتها بَصَّتله باستغراب كِدَه وقالتله:

-سَبَّاك لإيه مُش فاهمة!

-مُش حضرتك إمبارح بالليل جيتي هِنا واشتكيتي إن المايّه مُش كويّسة.

ولقيتها بترُد عليه بكُل ذهول وبتقولّه:

-أنا؟! حَصل إمتى دّه؟!

اتفاجأت إن “مِدَحت” بيبُص ناحيتي؛ لأنه عارف إنّي سامِع الحوار، وبعدها قالّها:

-امبارح يافندم، الكلام دَه كان بَعد 11 بالليل.

وكانت بترُد بكُل ثقة وبتقولّه:

-مَحَصلش طبعًا، أنا مِن الإرهاق اللي كُنت فيه امبارح نِمت الساعة 9 ونص!

كُنت مذهول أكتر منّه، وهو كان بيبُصّلها باستغراب، لكنّها قَطَعِت ذهولها لمّا قالتله:

-أكيد حد تاني وأنت متلخبَط، أنا هَمشي عشان اتأخّرت ومَتِنساش الطَّرد.

لمّا البِنت خَرجت، قومت وروحتله، كانت عينه رايحة جاية ما بيني وبينها وهي خارجة، وساعِتها قولتله:

-هي إيه الحِكاية؟!

رَد عليّا وهو مُش مستوعب اللي سِمِعه وقالّي:

-أنا مُش فاهِم حاجة، هي البِنت دي مالها؟! أنت مُش كُنت واقِف لمّا قالتلي على الحنفية؟!

-حَصل، دا أنا حتّى لمّا حكيتلك عن اللي سِمِعته عندها هي أنكرته برضُه!

-دا حقيقي.

-مُش عاوز أقولّك إنّي سِمِعت دَه تاني لمّا سيبتَك وطلعت الأوضة، بَس مَكُنتش قادِر أنزل بَعد اللي حصل ليلة امبارح.

ولقيته بيسيب الكاوِنتر وماشي، وساعِتها نَدهت عليه وقولتله:

-أنت سايبني ورايح فين؟!

-هَراجِع الكاميرات.

-الجِهاز بتاع الكاميرات فين؟

-في مَكتب الحاج “نَجيب” صاحب البَنسيون، ما تيجي معايا.

الحقيقة؛ كُنت هطلب أروح معاه، بَس مقدِرتِش أطلب دَه، خوفت لو حَد عرِف إنه خلَّاني أشوف الكاميرات يأذيه، لكن طالما هو اللي طَلب، يبقى أكيد عارف إنه مُش هَييجي عليه ضَرر.

دخلت معاه المَكتب، وساعتها قَعد على الكُرسي اللي قدام الكمبيوتر، وأنا وقفت جَنبه، وبدأ يرجَع للوقت اللي حصل فيه المَوقِف امبارح، فَتح تَسجيل الكاميرا اللي في المَمر اللي فيه غرفة “12”، راجِعنا التسجيل لَحظة بلَحظة، من قبل الساعة “11” لِحَد الوقت اللي الفروض البِنت تكون رِجعت فيه أوضتها، واللي كُنّا مصدومين منّه، إن باب أوضتها حتّى مَتفَتَحش!

خرجنا من المكتب وإحنا مذهولين، ولمّا رِجع مكانه على الكاونتر؛ لقيته بيقولّي:

-قولّي بقى إنّ أنا وأنت كُنّا بنخرَّف ليلة امبارح!

-أنت اللي شغّال في البَنسيون، أنا مُجرّد ساكِن ومن فترة قريّبة كمان، يعني أنت اللي المفروض تجاوب على السؤال دَه مُش أنا.

-أنا كُل اللي أعرفه إن أوضتها مقفولة من شهرين، كان فيها تَجديدات ومحدّش سِكنها من بعد التجديد إلا هي.

-وإشمعنى الأوضة دي يعني اللي اتجدّدت؟

-كان فيها بِنت في نفس عمرها تقريبًا، وبعدها جَت عندي هِنا وسلّمت المفتاح؛ وقالت إنّها لَقت سَكن تاني وهَتسيب البَنسيون، وتاني يوم ضَرَبِت في دَماغ الحاج “نَجيب” ولقيته جايب صنايعي يجدّد دِهان الأوضة، لفّها كلّها بِوَرق الحائط، واتقَفلِت من ساعِتها، والآنسة هي أوّل ساكِن فيها بعد التجديد.

-وِدَه إيه علاقته باللي حَصَل؟!

-مالوش علاقة، أنت طلبت المعلومات اللي عندي؛ بما إنّي شغّال هِنا، وأنا قولتلك اللي عندي.

-لأ نوَّرت المَحكمة بجد!

-صحيح نسيت أقولّك.

-خير، هتقولّي إيه تاني؟!

-أوضتَك برضو كانت مقفولة من فترة طويلة، وأنت أوّل ساكِن فيها من بَعد السّاكِن اللي سابها.

بصّيتله وأنا بفكّر في كلامه وقولتله:

-وِدَه معناه إيه بقى؟!

-لأ أنا بَس بكمّلك المعلومات اللي عندي.

-طيّب وأنا أوضتي كانت فاضية من إمتى؟

-يعني، من حوالي 3 شهور ونُص أو أربعة بالكتير، بتسأل ليه؟!

-سؤال وخَطر على بالي، أنا هَمشي بقى عَشان يادوب ألحَق شُغلي.

الشُّغل نسّاني اللي حَصل؛ بمجرّد ما وَصلت وانشَغلت في حاجات كتير، واليوم فات زي أي يوم، لِحَد ما خَرجت عدّيت على مَطعم اتغدّيت، وبعدها رجِعت البّنسيون، لمّا دَخلت وشوفت علبة على الكاونتر جَنب “مِدحت” افتَكرت الطَّرد، وافتَكرت كُل حاجة حَصلت، قرَّبت منّه وقولتله:

-ازّيك يا “مِدحت”، هو دَه الطَّرد بتاعها؟

ردّ عليّا وقالّي:

-أيون هو.

مَكمّلناش كلامنا؛ واتفاجِئنا بِها داخلة وجاية ناحيتنا، وساعِتها قالت لِـ “مِدحت”:

-مساء الخير، المندوب كلّمني وقال إن الطَرد وَصل.

ردّ عليها وقالّها:

-صحيح يا فَندِم، هو اللي قدّامك ده.

مدّت إيدها وأخدت العِلبة بَعد ما شَكرته، ولمّا مشيت قولتله:

-تِفتِكر إيه اللي مُمكن يكون في الطَّرد دَه؟!

-فيه أدوات تجميل، أنا بصّيت في خانة المحتويات وأنا بوقّع على ورقة الاستلام.

هزّيت راسي كِدَه وقولتله:

-تمام، أنا طالِع أوضتي مُش عاوز حاجة؟!

-لأ ربّنا يخلّيك يا أستاذ “كَمال”.

في الليلة دي، كُنت شغّال على تقرير مهم، كان لازم أسلّمه بُكره الصّبح للإدارة، عَشان كِدَه أخدت الأوراق؛ وقولت أكمّل شُغل في الأوضة، وفعلًا غيّرت هدومي وقعدت على الترابيزة اللي جنب الشّباك، حطّيت الأوراق قدّامي وبدأت أكمّل شَغلي، والليل دَخل عليّا، في الوَقت دَه كُنت انتهيت من التَّقرير، كانت عينيا خلاص بدأت تقفّل والصّداع هيقتِلني، قومت أغسِل وشّي، لكن قبل ما أوصل للحوض سِمعت صرخة هزَّت قلبي، كانت جاية من أوضة “12” اللي فيها البِنت، بدأت أقرَّب من الحيطة عشان أسمَع، كانت بتتكلّم مع حد بصوت مليان رُعب وبتقولّه:

-أنت عاوز إيه منّي؟! ليه جاي أوضتي؟!

الكلام كان أكبر من إنّي أستوعِبه، لكن كُنت بقرَّب عشان أسمَع أكتر وهي بتصرُخ وبتقول:

-شَكلك بَشع، أنت عاوز منّي إيه؟! وإيه الرسومات الغريبة والرّموز اللي أنت عاوز ترسِمها على جِسمي دي؟!

بدأت ألِف حوالين نَفسي، لِحَد ما سِمعت الخَبط من تاني، ومعاه صريخ البِنت بدأ يزيد، وبعدها الخَبط وَصل للحيطة؛ لدرجة إنّي لقيت الحيطة بتتهزّ، كأن في حاجة بتحاوِل تِهدّها، نِزِلت أجري على تَحت، كُنت عارف إني هلاقي “مِدحت” نايِم في الوَقت دَه؛ عشان كِدَه مبصّتش على الكاوِنتر وجريت على أوضته، فضِلت أخبَّط على الباب لِحَد ما فَتح، وأوّل ما شافني قولتله:

-تعالى معايا حالًا.

كان بيرُد وهو مُش فاهِم وبيقولّي:

-آجي معاك فين بَس؟!

شدّيته من إيده بدون ما أجاوبه وقولتله:

-بقولّك تعالى.

أخدته وطلعت على أوضتي، ولمّا دَخلنا مَكَنش فيه أي صوت من اللي كُنت سامعه، وساعِتها قلبي اتقَبض، خوفت يكون أنا بتوهَّم اللي سِمعته، بَس أكيد مُش وَهم، دا هو بعينه حَصل معاه موقف غريب مع البِنت، وأكيد لو حكيتله هيصدّقني، وساعتها لقيته بيقولّي:

-خير يا أستاذ “كَمال”، أنت جايبني هِنا ليه؟!

-بُص، ركّز معايا، نَفس اللي حَصل قبل كِدَه ونزِلت قولتلك عليه؛ حَصل تاني دلوقت!

-وهو فين دَه، أنا مُش سامِع حاجة.

-مَتقولش إنّي بيتهيّألي، أنت برضُه اتحطّيت في موقِف مع البِنت وكان غريب.

-حَصل ولمّا جِبت السّباك قالّي إن فعلًا كُل حاجة سليمة، وإن المايّه كويّسة.

-وهي بنفسها قالت دَه لمّا قولتلها إن السَّبّاك على وصول، بالرَّغم من إنّي كُنت واقِف معاك لمّا نِزِلت بالليل واشتَكَت، وبعدها أنكَرت دَه.

-ولمّا راجعنا الكاميرات لقيناها فعلًا مَنزلِتش.

-تِبقى الحِكاية فيها لُغز لازِم نِعرفه، ماهو كلّنا عايشين هِنا في البَنسيون، وحظّي الحِلو إن بيفصِل بين أوضتي وأوضتها حيطة، وكلّه على دماغي!

-طيّب إهدا، أنا واقِف من ساعِتها أهو ومفيش حاجة حصلت، أنا هَسيبك ترتاح، وهنزِل أقعد على الكاونتر، مُش هنام، لو حصل حاجة انزِل قولّي، وساعِتها هنبدأ نشوف الحكاية دي بجد.

وبعدها سابني ومِشي، لكن وهو بيفتَح باب الأوضة وقَبل ما يُخرج، وسمِعنا صرخات البِنت، والخَبط رِجع من تاني، كانت بتقول وهي بتبكي:

-ابعِد عنّي، امسَح الرّسومات والقَرف دَه من على جِسمي!

في اللحظة دي، لقيته دَخل الأوضة من تاني، وقَفَل الباب وراه، كان واقِف مَصدوم، بدأ يقرَّب من الحيطة، وأنا كُنت بقرَّب معاه، وساعِتنا سِمعنا صوت ضَرب، كأن في حَد بيضرَب البِنت بطريقة متوحّشة، خرجنا من الأوضة وإحنا بنِجري، كان لازم نِنزل الرّسيبشن؛ عشان نُخرج برَّه ونلِف من الباب الخلفي بتاع السَّكن الخاص، لكن بمجرّد ما نزِلنا اتفاجئنا بالبِنت، كانت واقفة وهدومها متبهدِلة، شَعرها مَنكوش وبتِبكي، وشّها وارِم من الضَّرب، ودراعتها كانت عليها كتابة غريبة، كان مَنظرها مُخيف، وقَفت مكاني مقدِرتِش أتحرّك، لكن “مِدحت” قرَّب مِنها وبدأ يقولّها:

-إيه اللي حَصل؟!

بدأت ترُد وهي مُش قادرة تاخُد نَفسها، وتقول:

-حارِس الأمن، خبَّط عليّا، ولمّا سألت مين على الباب، قالّي أنا عمّك “مطاوع” حارِس الأمن، ولمّا فَتَحت أشوفه عاوز إيه، لقيته بيزقّني جوّه الأوضة، ودخل معاه واحد تاني، وبعدها بدأوا يضربوني ويشيلوا الهدوم من عليّا، كتّفوني، وبدأ الراجل اللي معاه يِرسم على جِسمي رسوم غريبة ورموز، وُكُنت كل ما أقاومه يضربني.

في الوَقت دَه، قرَّبت منهم وحاوِلت أتدَخّل في الكلام، وقولتلها:

-إحنا لازِم نبلَّغ الشّرطة، المَوضوع دَه مُش لازم يتسِكت عليه.

لكنّها سابتنا ومشيت، كُنّا مَذهولين من رد فعلها، ولمّا خرجت من الباب خرجنا وراها، لكنّها كانت فَص ملح وداب، مَكَنش لها أي أثر، حتّى مَلحقِتش تروح عند باب السّكن الخاص وتدخُل، جرينا ناحية الباب هناك عشان نتأكّد، أنا أوّل مرّة أشوف الباب، كان إزاز،  وكان مَقفول وحارِس الأمن قاعد وراه بيشرب سيجارة، بصّيت ناحية “مِدحت” وقولتله:

-مِستنّي إيه ما تروح تطلب الشّرطة، دا الرّاجل قاعِد ولا كأنّه عمل حاجة.

ولقيته بيرُد عليّا بكُل هدوء وبيقولّي:

-اصبُر بَس عشان نِفهَم، عَم “مطاوع” اللي بتقول عليه ده أصلًا، ساب الشُّغل في البنسيون من شهرين ورِجع بَلَده، واللي موجود دَه اسمه “سمير”!

حسّيت إن الموضوع اتعقَّد أكتر؛ فقولتله:

-وِدَه معناه إيه؟!

-معناه إن في حاجة مُش مفهومة، ولو بلَّغنا الشّرطة دلوقت مُمكن ندخُل في سين وجيم، لازِم نِفهم الحكاية في الأوّل.

-طيّب وأنت بتفكَر في إيه؟

-أنا هبلَّغ الحاج “نَجيب”، وكويّس إنّه هِنا النّهاردة.

مَضيَّعناش وقت، دخلنا البَنسيون، مشيت ورا “مِدحت” لِحَد ما وصل للمكتب، وقَف وخبَّط على الباب، وبَعدها فَتح البَاب ودَخل، ولقيته بيقولّي:

-تعالى يا أستاذ “كَمال” اتفضَّل.

دَخلت وسلّمت على الحاج “نَجيب”، كُنت أوّل مرّة أشوفه، واستغربت ليه بيقوله عليه حَاج، دا عُمره في الخَمسينات ولابِس بَدلة تَحتها قَميص وردي، وفي إيده سيجار، كان غير الصورة اللي في خيالي عنّه، ولمّا شافني قام ورحَّب بيّا وقالّي:

-اتفضّل يا فندم، أأمرني، مُشكلة حضرتك إيه وأنا أحلّها.

في الحقيقة؛ لقيت “مِدحت” مَبيتكلّمش، عرفت إنه سايبني أنا أتكلّم، لأن غالبًا الحاجة “نَجيب” هياخُد كلامي باهتمام؛ لأنّي ساكِن في البَنسيون، غير لمّا يكون الكلام من موظّف عنده، عشان كِدَه بدأت أتكلّم، حكيتله كُل اللي حَصل، من ساعة ما سِمعت صراخ البِنت والخَبط، لِحَد اللي حَصل من شويّة، وبعدها لقيت “مِدحت” بيأكّد على كلامي وبيقولّه:

-لازِم يا حاجة نشوف إيه الحِكاية، دي سُمعة البَنسيون.

كان بيسمعنا ومَبيرُدّش علينا، بَس هو رفع سمّاعة التليفون وكان بيتّصل بِحَد، ولمّا اللي بيرِن عليه رَد قالّه:

-بقولّك يا “سَمير”، اطلَع أوضة “12”، واستَسمح البِنت اللي ساكنة فيها عَشان مِحتاجها في حاجة، ياريت تخلّيها تيجي المكتب ضروري.

وبعد ما خلَّص مكالمته، طلب منّنا نقعد، ومفيش ربع ساعة، لقينا باب المَكتب بيخبَّط، والبِنت داخلة، أوّل ما شافها قام رحَّب بها وقالّها:

-آسف إنّي أزعجتِك في وقت زي دَه، بَس انتي بتِشتكي من أي مُشكلة؟

كانت مِستغربة سؤاله، لكن إجابتها كانت أغرب لمّا قالتله:

-لأ مفيش أي مُشكلة بِتِحصل معايا!

وساعِتها بَص ناحية “مِدحت” بَصّة كلّها غَضب، ورِجع يكمّل كلامه مع البِنت ويقولّها:

-انتي متأكّده إن مفيش أي حاجة بتِزعِجك أو بتِحصل معاكي؟!

-يافندم بقولّك مفيش أي حاجة!

-طيّب أنا آسف، بَس في مُشكلة كِدَه وبتأكّد من السُّكان إن مفيش حاجة بتزعجهم، لو في أي مشكلة أنا تَحت أمرك.

وساعِتها شَكَرِتُه ومشيت، وبعد ما خَرجِت؛ لقيته بيبُص ناحية “مِدحت” وبيقولّه:

-سِمعت بنَفسك.

لكن “مِدحت” رَد عليه وقالّه:

-أنا أحلِف على مُصحف إن اللي الأستاذ “كَمال” قالّك عليه يا حاج حصل، وأنا شايف وسامع بنَفسي كمان.

لكن لقيته بيرُد عليه وبيقولّه:

-يعني البِنت نِزِلت من شويّة وجَت الرّيسيبشن، وكانت مضروبة، وبَعد كِدَه سابِتكم وخَرَجِت واختَفت؟!

رد عليه “مِدحت” وقالّه:

-ده اللي حَصل.

-طيّب ما هي كانت واقفة قدّامكم دلوقت، فين الضّرب اللي باين عليها؟

مَكنش حَد فينا عنده رَد، كُنّا ساكتين، وهو كان بيبُصّلنا كأنّه بيبُص لاتنين مجانين، بَس أنا كُنت واثق من كل اللي حصل، وعارف إنها مُش هلاوس، أًصل مُستحيل اتنين يهلوسوا في نَفس الوَقت، لكنّه فجأة بدأ يبُص ناحية الشّاشة اللي قدّامه ويسأل “مِدحت” ويقولّه:

-اللي بتقول عليه دَه حصل امتى؟!

رد عليه وقالّه:

-يادوب من نُص ساعة.

ولقيته بيفتَح الكاميرات، وبيجيب الكاميرا اللي في المَمر اللي فيه غرفة البِنت، أنا حافِظ شكله من وَقت ما دخلنا هِنا قبل كِدَه وارجِعنا الكاميرات، وبدأ يراجِع التسجيل ثانية بثانية، والغريبة، إن البِنت من وقت ما دخلت أوضتها ومعاها علبة الطَّرد، وهي فعلًا ما خرَجِتش!

وبَعد ما راجِع الكاميرات، لقيته بيبُص ناحية “مدحَت” بطريقة صَعبة وبيقولّه:

-أنت اتأكّدت بنفسك أهو، ياريت الحكاية دي مَتتكرَّرش تاني، وحاول تِحافِظ على أكل عيشك.

خرجنا من المكتب، ومحدّش فينا كان بينطَق، طِلعت على أوضتي و”مِدحَت” راح على أوضته، ولمّا طلعت وقفلت الباب ورايا، وقفت في الشّباك أفكّر، هو إيه اللي بيحصل؟

في الليلة دي مجاليش نوم، أو بمعنى أدَق، من وقت ما البِنت دي سَكَنِت، وأنا مَعُدتِش بنام، فضِلت سهران والتفكير هيفَرتِك دماغي، واللي كان هَيجنِّني أكتر، إنّي كُنت سامِع صريخها تاني في الأوضة، وسامِع برضُه صوتها؛ وهي بتَستَغيث من حَد بيَعتَدي عليها!

النّهار طِلع كالعادة من غير ما أنام، غيَّرت هدومي ونزِلت، خرجت اشتريت سندوتشين أفطر بيهم، واشتريت جريدة من بيّاع جرايد جَنب البَنسيون، ورجِعت قعدت في مكاني قُريّب من الكاوِنتر، كان باين على “مِدحت” إنه قلقان من الكلام اللي سِمعه امبارح؛ عَشان كِدَه تَجنَب إنه يكلّمني النّهاردة.

فَتحت السَّندوتشات وبدأت أفطر، وكُنت بسلّي نَفسي في الجَريدة، عيني وقعت على صفحة الحوادث، وكان أوّل خَبر فيها بيقول:

“إغلاق ملَف القضيّة وتم تقييدها ضد مجهول، لم يتم العثور على الجاني، تقرير الطّب الشّرعي أثبت أن الفتاة تعرَّضت لاعتداء موحِش قبل وفاتِها، هُناك آثار لرموز ورسومات على جسد الضَحية، لكن القاتل لم يترك دليلًا واحدًا لإدانَته”.

الكلام كان لافِت لانتباهي بطريقة غريبة، حسّيت إن فيه شَبَه بينه وبين اللي بيحصل مع البِنت، أنا سِمعتها في أوضتها بتصرُخ وبتقول: امسَح الرّسومات والقَرف دَه من على جِسمي! وشوفنا على دراعتها رموز غريبة، كمّلت فطاري واحتَفظت بالجريدة معايا، أخدتها وأنا رايح الشُّغل، ولمّا خرجت من الشّركة آخر النّهار، عدّيت أكلت حاجة خفيفة ورجعت البَنسيون، طلعت على أوضتي، غيّرت هدومي ولبِست التريننج بتاعي، لكن وأنا بعلَّق هدومي على الشّماعة اللي في الحيطة، لاحِظت حاجة غريبة.

أنا لمّا رَكّبت الشّمّاعة، لَزقت على الحيطة تَحتها ورقتين جرايد، عَشان الهدوم متِبقاش لامسَة الحيطة، واتفاجئت إن ورقتين الجرايد مِن نَفس الجريدة اللي أنا شاريها النّهاردة الصُّبح، دي كمان كانت صفحة الحوادث، واللي يشاء القَدر، إن فيه أوّل خَبر اتكلّم عن حادثة البِنت؛ اللي لقوها مقتولة في جوال ومَرميّة في مقلب زبالة، واللي الخَبر اللي قرأته النّهاردة برضُه كان بيتكلّم عنها!

الخَبر اللي في الورقة اللي ملزوقة على الحيطة كان من شهرين، شدّيت الوَرقة وأخدتها ونزِلت الرِيسيبشن، الدّنيا كانت هادية، وكان “مِدحت” قاعد ساكت مَبيعملش حاجة، روحت عنده وقولتله:

-اقرأ كِدَه الخَبر دَه.

ولمّا قرأه لقيته بيقولّي:

-فعلًا في بِنت اتقتلت ولقوا جثّتها في مقلب زبالة قريّب من هنا.

-طيّب دَه مُش بيلفِت نَظَرك لحاجة؟!

-عاوز تقول إيه؟

-هي الأوضة اللي فيها البِنت، اتقفلِت من امتى؟

-من شهرين بالظَّبط قبل ما الآنسة اللي فيها دي تيجي.

-والبِنت اللي اتقتلت كانت من شهرين برضُه.

-بقولّك إيه يا أستاذ “كَمال”؛ أنت كِدَه هتكبَّر الموضوع، عاوز تقول إيه؟!

-عاوز أقولّك إن التفاصيل اللي في الأخبار دي، هي نَفس اللي سِمعت الآنسة دي بتقوله وهي بتُصرخ في أوضتها.

-أنت كِدَه هتخلّينا ندخُل في حوار إحنا مُش قدّه، اعمِل مَعروف خليّنا في حالنا.

-ماهو أنا لازِم أفهم اللي بيحصل، وأنت كمان لازِم تِفهم.

-أنا مَفهَمش ولا أعرف غير إنّي أحافِظ على أكل عيشي.

-مُش يِمكن تكون البِنت اللي ساكنة في أوضة “12” قبل دي يكون حصلّها حاجة، طالما دي عندها “17” سنة، واللي قبلها كانت في نفس سنّها، والبنت اللي في الحادثة نَفس السّن، مُش وارِد تكون هي؟!

-بُص يا أستاذ “كَمال”، البِنت دي كانت مُنقَّبة، وجَت سلِّمت المفتاح بنفسها هِنا وهي بتسيب البَنسيون، يعني لو فعلًا حَصَلّها حاجة يبقى بعيد عنّنا.

-أنت قولتلي إنّها كانت مُنقَّبة؟

-أيون.

-عرفت منين بقى إنّها نَفس البِنت يا ناصح؟!

-قصدك إيه؟!

-وارِد جدًا تكون البِنت دي حَصلّها حاجة في الأوضة، واللي سلّمت المفتاح واحدة تانية بعد ما لِبست النّقاب، والبِنت الحقيقية يكون حد خرَّجها في السِّر ولا مين شاف ولا مين دِري.

في اللحظة دي؛ لقيته بيقولّي:

-أستاذ “كَمال”، سيبني أركّز في أكل عيشي اعمل معروف، وأنت أفكارك دي خلّيها لنفسك.

سِيبته وطلعت أوضتي، التفكير كان هيتسبّب في إنّي أتجَنّن، ولمّا الليل دَخل، الحكاية اتكرَّرت تاني، نفس الصرخات ونفس الكلام اللي بيتقال، مقدِرتش أستَحمل، أخدت بَعضي ونزلت، لكن اتفاجئت بالبِنت تَحت، كانت على الكاوِنتر بتسلّم مفتاح الأوضة، وبتقول لـ “مدحت” إنها لقت سَكن أحسن من هنا، وأقرب للجامعة، وكان معاها شنطتها اللي أخدتها ومشيت بعد ما سلِّمت المفتاح، ولمّا “مِدحت” شافني واقِف بَبُص ناحيته قالّي:

-أظن خلاص كِدَه، أهي مشيت والحكاية خلصِت.

بصّيتله ومردّتش عليه، وسيبته وطلعت أوضتي، ويادوب هي دقايق، ولقيت الصريخ من تاني في الأوضة، والخَبط كمان رِجع وأصعب من الأوّل، وبرضو صوت البِنت بيستغيث، بنفس الكلام اللي كانت بتقوله، أنا جَنّ جنوني ونزلت أجري على تَحت، شدّيت “مِدحت” وقولتله على اللي حصل تاني، وطلبت منّه ييجي معايا عند اللي اسمه “سمير”، حارس الأمن اللي على باب السَّكن الخاص، ولمّا روحناله قولتله:

-هي الآنسة اللي اسمها “عبير” دي خرجت بشنطتها قدّامك من شويّة؟

بصّلنا وهو مستغرب كِدَه وقالّنا:

-أيون، دي قالتلي وهي خارجة إنها سايبة البَنسيون.

وهِنا لقيت “مِدحت” بيقولّي:

-أنت بتعمل كِدَه ليه؟

-ماهو كُل مرّة بتيجي هِنا وبنتفاجئ إنّها مَخَرجِتش من أوضتها، كان لازِم أتأكّد، ده معناه إن الأوضة دلوقت فاضية، يبقى اللي أنا سِمعته دَه جاي منين؟!

ولقيته بيرُد عليّا رد استفَزّني، لمّا قالي:

-مُش يِمكن بيتهيألك؟!

ردّيت عليه بعصبيّة وقولتله:

-تاني؟ يعني أنت كمان كان بيتهيّألك؟!

رد عليّا وكان باين عليه إنه فعلًا محتار؛ وقالّي:

-جايز يكون بيتهيّالي!

سِيبته واقف ودخلت، وبعدها طلعت على أوضتي، قفلت على نفسي، وقعدت أفكّر، وافتكرت إن في أوراق مهمّة لازِم أقدّمها لشُغلي بُكره الصّبح، كُنت مُحتَفِظ بيها على الدولاب، قومت من مكاني وروحت عشان أجيبها، حبّيت أخلّيها قدّامي عشان مَنسهاش الصُّبح، لكن رجفة إيدي اللي كانت مسيطرة عليّا، خلّتني وقَّعت الأوراق مابين الحيطة والدّولاب.

مَكَنش قدّامي غير إنّي أحرَّك الدولاب من مكانه، هو كان حجمه صغيّر، مَأخَدش وقت وقدِرت أبعده عن الحيطة، مدّيت إيدي أجيب الأوراق، لكن لقيت نَفسي بَرمي الأوراق على الكُرسي، وبَرجع تاني أبُص ورا الدولاب، الحيطة فيها جزء لونه باهِت شويّة، كان واضِح أوي إنه مكان باب واتقَفل، وهِنا السّؤال اللي جِه في بالي، إزّاي باب موجود في الحيطة اللي بتفصل بين الأوضة دي، وبين أوضة في سكن خاص بالطالبات؟!

التفكير كان بياخدني لأماكن بعيدة، قولت ما يمكن يكون الأوضتين كانوا مفتوحين على بعض، وبعد ما السَّكن الخاص اتعمل فصلوهم، بَس مع الوقت؛ سِمعت حَركة في الأوضة رقم “12”، ومعاها سِمعت صوت البِنت، كانت بِتبكي وبقول:

-سِيبني يا مُجرم، يا ملعون.

وبَعدَها بدأ صوت الخَبط، ومعاه سمعت خطوات كتير، كأنّها بتحاول تِهرب، لكن اللي كان مُفاجأة، إنّي سِمعت صوت بيقول:

-اوعى تِهرب منّك يا “مطاوع”!

وبَعد كِدَه الأصوات اختَفَت، ويادوب فاتِت دقايق، وسِمعت صرخة البِنت تاني، لَكن المرَّة دي كانت صرخة فيها حَشرَجة، وبعدها سِمعت صوت غير اللي اتكلّم من شويّة بيقول:

-أنت دَبحتها؟!

رد عليه الصّوت اللي اتكلّم الأوّل وقالّه:

-ماهو لازِم دَم؛ عشان الطَّقس يِكمل!

الاسم اللي سمِعته مُش غريب، دا البِنت قالته لمّا نِزلِت تِشتِكي إن في حد اعتدى عليها، وبعدين اختَفت، دا غير إن الصّوت اللي اتكلّم في الأوّل مُش جديد عليّا، دا تقريبًا صوت الحاج “نَجيب”!

كُل اللي بيحصَل دَه، واللي شوفته أنا و “مدحت”، البِنت أنكرته، والكاميرات مَسَجّلِتش أي حاجة، الحكاية تجاوزت حدود الهَلوَسة والجنون، وكان لازِم أعرف إيه السِّر ورا اللي بيِحصل.

كُل حاجة بتِحصل، كانت بتخلّيني أفتِكر تفاصيل أوّل خَبر اتكلّم عن الجريمة، واللي لقيته بالصَّدفة في ورقة الجريدة اللي كنت لازِقها على الحيطة، حتّى حكاية إن الجثة فيها قَطع بالرَّقبة، دلوقت سِمعت اللي اتكلّم وقال: أنت دَبحتها! دا غير الرّموز والرسومات، وِدَه اللي خلَّاني مَتردّدتش إنّي أنزِل الرّيسيبشن، ولمّا اتقابِلت في “مِدحت” حكيتله، وقولتله بعد ما خلَّصت كلامي:

-بُص بقى، أنا على يَقين إني مُش بَخرَّف، في حاجة غريبة بتحصل هِنا أو حَصلت، وهي سَبب اللي بيحصل معانا.

-اللي أنت بتحكيه دَه مُستحيل يكون حَصَل، وبعدين الأوضة فاضية، ازّاي سِمعت فيها الكلام ده؟!

-يعني أنت مِستغرب ده ومُش مستغرب كل اللي حَصَل؟! طيّب قولّي، الأوضة اللي أنا فيها كانت مفتوحة على أوضة “12” قبل السَّكن الخاص ما يتعمل؟

-أنا اشتَغلت هِنا من قبل السَّكن الخاص، ومفيش أوضة كانت مفتوحة على التّانية.

-يبقى البّاب اللي ورا الدولاب دَه إيه؟ تِقدر تفسَّرلي؟

كان واقِف يبُصّلي ومَبيردّش، عَشان كِدَه قولتله:

-بُص، الدُّنيا هادية وتقريبًا السُّكان ناموا، هتطلع معايا بهدوء، هَنِكسر مكان الباب اللي في الحيطة، وهندخل أوضة “12”، يِمكن نوصل لِحاجة.

-وافرِض عملنا كِدَه وموصلناش لِحاجة؟!

-ساعِتها هنرجَّع كل حاجة زي ما كانت، وهنِقفل الموضوع، وأنا هَشوف مَكان تاني أسكُن فيه أو أغيّر أوضتي.

طِلعنا على الأوضة، بعد ما “مِدحت” اتصرَّف وجاب لكل واحد فينا شاكوش تقيل وأَجَنَة، ولمّا بدأنا تَكسير قولتله:

-بهدوء، مُش عاوزين حد يِحس بحاجة، حتى لو الموضوع أخَد وقت شويّة.

لكن المفاجأة إنّنا لمّا بدأنا، لقينا المَكان دَه بيتكسّر بسرعة، كان دليل إن اللي بَناه عَملُه أي كلام، كان الطوب بينزِل بكُل سهولة، وبدون ما نِخبط فيه بقوّة، ويادوب دقايق، وكُنّا بندخل الأوضة رقم “12”.

كُل حاجة كانِت طبيعية، مَكَنش باين إن في أي حاجة غريبة، دا غير إن الأوضة كانت متجدّدة وملفوفة كلّها بِوَرق الحائط، السّرير مِترتّب، بدأت ألِف في الأوضة إنّي ألاقي أي شيء غريب، لَكِن مَفيش حاجة لَفَتِت نَظري، دَخلت الحَمّام، فَتَحت حنفيّة الحوض، لكن اتفاجِئت إن لون المَايّه اللي نازلة غريب، ومع الوَقت، بدأت أتأكّد إن دَه دَم، مُش مايّه!

نَدَهت على “مِدحت”، اللي أوّل ما دَخل عندي لقيته بيبُص للحوض وهو مَفزوع، وبيقولّي:

-دَه دَم ولا بيتهيّألي!

لَقيت نَفسي بَحُط إيدي تَحت الحَنفية، وبتأكّد من مَلمس اللي نازِل منها، وقولتله:

-ده دَم فعلًا.

وفجأة لَفت نَظرنا صوت جاي من الأوضة، كانت صَرخة البِنت، خرجنا من الحمّام وإحنا بنِجري، ولمّا دَخلنا الأوضة؛ لقينا إن وَرق الحائط مَكَنش على طبيعته، دا كان ظاهِر من وراه حاجات بلون أحمر، وِدَه اللي خلَّى “مِدحت” يقول:

-اشمعنى الأوضة دي الوحيدة اللي معمولة ورَق حائط؟!

أوّل حاجة فكَّرت فيها إنّي أشيل ورق الحائط من على الحيطان، ولمّا بدأت أنفّذ فِكرتي؛ لقيت “مِدحت” بيشيل معايا في الوَرق، كانت كُل حتّة بنشيلها بيِظهر تَحتها حاجة مُش فاهمينها، مرَّة نِجمة خُماسية، ومرَّة مُربّعات فيها أرقام وحروف، ومرّة رموز مُش مفهومة، ولمّا نجحنا في إنّنا نشيل الورق كُلّه، لقينا إن الحيطان عبارة رسومات ورموز وحاجات غريبة، وأنا على حد عِلمي إن دي عبارة عن حاجات بتُستَخدَم في السِّحر!

لمّا قولت كِدَه لـ “مِدحت” لقيته بيقولّي:

-أنا مُش قادِر أكدّب تَفسيرك؛ لأنّي شايف بعيني!

-تِفتِكر مين مُمكن يِعمل دَه؟!

-مَعنديش إجابة.

-أنا بَقى هقولّك الإجابة، البِنت اللي لَقوها مَقتولة ومرميّة في مَقلب الزّبالة، هي اللي كانت ساكنَة في الأوضة دي، نَفس اللي اتكَتب في الخَبر، هو نَفس اللي كُنت بَسمعه، والأوضة دي اتجدّدت واتعمل فيها وَرق حائط، لأن أي دهان عادي كان مع الوَقت هَيبهت، وكُل دَه كان هَيظهر، لكن دَم البِنت خلّى الأوضة دي اتلعَنت، وبدأت روح البِنت تِكشف عن وجودها، بمجرّد ما الأوضة اتسَكنت، خصوصًا إن اللي سكنِت فيها بِنت في نفس سنّها.

-كُل اللي بتقوله ده مُمكن يتصدّق، بَس برضُه مين اللي هَيعمل دَه؟!

-هو عم “مطاوع” ساب الشُّغل ليه؟!

-مُش عارف، بَس هو فجأة رِجع بلدهم.

-كان قبل حادثة البِنت ولا بعدها.

-كان بعدها بيوم علطول.

-كِدَه يبقى فاضِل حاجة واحدة، لو اتفسّرت اللغز هيتحَل.

-تُقصد إيه؟

-تعالى معايا.

-على فين؟

-مَكتب الحاج “نَجيب”.

هو مَكَنش عارف أنا طلبت منّه الطلب دَه ليه، بَس لقيته جاي معايا بدون نِقاش، ولمّا دَخلنا المَكتب، طلبت منّه يِفتَح الكمبيوتر، وسألته:

-هي إيه أقصى مدّة الكاميرات بتسجّلها هنا.

-سِمعت المُهندس وهو بيركّبها بيقول 3 شهور.

-دَه كويّس، افتَح بقى الكاميرات كِدَه، وهات الكاميرا اللي في المَمر اللي فيه أوضة “12”.

وبعدها طلبت منّه يرجَع للتاريخ اللي كان فيه أوّل خبر للجريمة “الجمعة، 27/8/2010”.

بدأت أراجِع تسجيل الكاميرا، كُل حاجة كانت طبيعية، بنات داخلة وبنات خارجة ، لِحَد ما لَمحت البِنت المُنقّبة اللي كانت ساكنة في الأوضة، كانت داخلة أوضتها الساعة 3 و 45 دقيقة العَصر، والساعة 12 بالليل الشاشة كانت ظاهرة باللون الأسود، ودَه معنا إن الكاميرا فَصَلِت.

وهِنا سألت “مِدحت”، وقولتله:

-انتوا في اليّوم دَه؛ بلَّغتوا المهندس اللي ركِّب الكاميرات إن في عُطل؟

-مَعتقدِش، محدّش أصلًا اتكلّم في الموضوع.

رِجعت للشاشة الرئيسية، اللي كانت بتِعرض كُل الكاميرات، واتفاجئت إن في 4 كاميرات عطلانين في نَفس الوَقت، ولمّا سألت “مِدحت” وقولتله:

-الكاميرات دي أماكنها فين؟

-دي المَمر اللي فيه أوضة “12”، واللي جَنبها الباب الخَلفي للمَمر والسّلم، واللي بَعدها دي المَمر اللي بيوصّل لِباب الطّوارئ، والرّابعة  دي اللي على باب الطّوارئ من برَّه.

مَكَنش في دليل أقوى مِن كِدَه؛عَشان أقول لِـ “مِدحت”:

-مَفيش دليل أقوى من كِدَه؛ على إن الجريمة تمّت في البَنسيون هنا، وفي أوضة “12”.

-وإيه هو الدَّليل من وِجهة نَظرك؟!

-دَه مُش عطل كاميرات، اللي ارتكب الجريمة كان بيأمّن طريق خروج جُثّة البِنت.

-ولو كلامك صح، تِفتِكر مين اللي عَمل كِدَه؟!

-مين اللي يِقدر يتحكّم في الكاميرات؟

-اللي معاه الباسوورد هو الحاج بس.

-يِبقى هو مَفيش غيره!

كلامي كان صادِم بالنّسبة لِـ “مِدحت”، لكنه مَكَنش قادِر يعارِضني، لكن لقيت نَفسي بفتَح الكاميرا اللي في مَكتب الحاج “نَجيب”، واللي غالبًا كانت موجودة عشان الخَزنة اللي فيها، واتفاجئت إن في الوَقت دَه، اللي هو غالبًا وقت الحادثة، إن الحاج “نَجيب” كان موجود في مكتبه، وكان نايم على المكتب كمان!

الحكاية بدأت تتعقّد، بعد ما كُنت خلاص قرَّبت أوصل لِحَل اللغز، لكن لمّا بدأت أسَرَّع التسجيل؛ اتفاجئت إن الكاميرا اللي في المَكتب، اتعطَّلت هي كمان، وبعد ما حوالي ساعة، الكاميرا اشتغلِت من تاني، وساعتها اكتَشفت إن الحاج “نَجيب” مُش موجود على مكتبه!

وهِنا سألت “مِدحت” وقولتله:

-هو الحاج متعوّد ييجي امتى؟

-مالوش مواعيد، بَس أغلب تواجده بالليل، وأحيانا مَبيجيش خالص.

لمّا الموضوع بدأ يتعقّد أكتر، لقيت نَفسي بتعصَّب، وبّخبط رِجلي في الأوض، واتفاجئت إن صوت الخَبطة كان غريب، عرِفت منّه إن اللي تَحت رِجلي مُش أرض، دا زي ما يكون باب خَشب.

لقيت نَفسي بَقوم من على الكُرسي وِبَبعِدُه عن المَكتب، وبقول لِـ “مِدحت”:

-هو مين اللي بينضَّف المَكتب دَه.

-مِن يوم ما اشتَغلت هِنا، وأنا عارف إن الحاج بينضَّف مَكتبه بنفسه، ومانع أي حَد يحرَّك أي حاجة من مكانها، دا حتّى مفتاحه مُش مع حد غيري؛ عشان لو احتاج حاجة ضرورية بيكلّمني أعملها، دا غير إنه وقتها بيقولّي على مكان الحاجة بالظَّبط، بَس أنا دَخلت معاك هِنا لأن الموضوع غريب فعلًا، وهو نادرًا لمّا بيراجِع الكاميرات على حَد علمي.

-طيّب شيل معايا السّجادة دي!

مَنتَظرتش إنه يساعدني، أنا بدأت أرفع السّجادة، واللي اتفاجئت إن في باب خَشب فعلًا تحتها، أو تَحت المكتب بالظَّبط، كان مقفول بِقفل، ولُحسن حظّي؛ إنّي لمّا نزِلت من الأوضة كان لسه معايا الشّاكوش، وِدَه ساعدني إنّي أكسر القِفل، وأفتَح الباب، واللي اتَّضح إنه عبارة عن خزنة، وكان فيه أكتر حاجة صدمتنا، وفي نَفس الوَقت حلَّت كُل حاجة.

الخزنة كان فيها دُمية، كانت على نَفس هَيئة الحاج “نَجيب”، وبنفس الهدوم اللي ظَهرت في تسجيل الكاميرا وهو نايم على المكتب، فعرِفت وقتها إن دَه كان مجرَّد تمويه؛ عشان لو حَصلت في الأمور أمور، الشَّك يِبعد عنّه، ويقدر يثبت إنه في مكتبه وقت وقوع الجريمة، وطبعًا فهمت إن لمّا الكاميرا اللي في المكتب عِطِلت، إنه كان ساعتها بيشيل الدُّمية من مكانها، وبينزّلها في الخزنة اللي في الأرض.

دا غير إن كان في أزايز فيها سائل لونه أَحمر، نَفس اللي كان مكتوب به على حيطان الأوضة، دا غير كُتب بتتكلّم عن السِّحر واستحضار الأرواح، وتقديم القرابين والأضاحي للشياطين، وكان شَرط القُربان إنه يكون بِنت لسّه بِكر، ده اللي كان مكتوب في ورقة، تقريبًا بخط إيد الحاج “نَجيب”، واللي مقدِرتش أوصل هو كان بيحاول يستحضر أرواح ليه، أو بيمارس السِّحر ليه عمومًا.

-لسّه عندك شك يا “مِدحت”؟!

كان مَذهول وهو بيرُد عليّا وبيقولّي:

-أنا مصدوم من اللي شايفه!

خرجنا على قسم شرطة المنطقة اللي لقوا فيها جثّة البِنت، وهناك حكينا كُل حاجة، وفي أقل من ساعة، الشّرطة كانت في البَنسيون، كُل حاجة كانت ظاهرة على الواقِع، والخزنة اللي تَحت المَكتب اتحرَّز كل اللي فيها، ويادوب أقل من ساعة وكان طالع إذن نيابة، بضبط وإحضار الحاج “نَجيب”، واللي اسمه عم “مطاوع”.

بعد يومين…

خَبر في جريدة…

” بعد بلاغ من أحد سكان الفندق، الذي تعرَّض لأحداث غريبة؛ ساعدته على اكتشاف ملابسات الحادث، إغلاق بنسيون (…)، بعد ثبوت تورُّط مالكه في عملية قتل الفتاة، التي تم العثور على جثتها في إحدى الأماكن المخصصة للقمامة”

 “تمت إعادة فتح القضية ومباشرة التّحقيقات فيها، الجاني اعترفَ بارتكابه الجريمة؛ لرغبته في تقديم أضحية بشرية للشيطان؛ كي يمنحه قوى تساعده على تحقيق كل ما يرغب فيه، وقامت الشّرطة بتفريغ كاميرات السوبر ماركت المقابل لباب طوارئ البَنسيون، والتي أسفرت عن ظهور شخص، يخرج حاملًا جوالًا مطابقًا للذي عُثر على الفتاة فيه، وبعَرض التسجيل على الجاني، أقرَّ بأن الذي يحمل الجوال كان موظَّفًا سابقًا، يُدعى “مطاوع”، كما أقرَّ أيضًا، بأن الفتاة المُنتقبة التي قامت بتسليم مفتاح الغرفة بعد الحادث، كانت مجرّد فتاة احتَرفت التّسوّل، وقد قامت بارتداء النّقاب وتسليم المفتاح، بعد أن تقاضت مقابلًا ماديًّا”

“بعد عرض تَسجيل كاميرات السوبر ماركت مرة أخرى على موظف الاستقبال المَدعو “مِدحت”، أكد أنّه “مطاوع”، نفس الشَّخص الذي أقرَّ به الجاني، وكما ورد للجريدة، أنه تم إلقاء القَبض عليه هو الآخر ليلة أمس، وجاري اتخاذ اللازم بحقّهما”.

دي كانت أهم نقاط الخَبر اللي اتنشر في الجريدة بعد فتح القضية، واللي اتعمّدت أشتريها عشان أتابع آخر الأخبار، بالمناسبة أنا سِيبت البَنسيون تاني يوم علطول، والسُّكان كلّهم سابوه، ومحدّش عارف مصيره هيكون إيه، لكن اللي أعرفه إن عُمري ما كُنت أتوقّع إنّي أمُر بحاجة زي دي، وبالمناسبة، أنا بحاول أشوف شغلانة لِـ “مِدحت” في الشّركة اللي أنا فيها، لأن طبعًا مُش هرضى إنه يبقى عاطِل؛ لمجرّد إنه ساعدني في كَشف ملابسات لُغز جريمة، القَدر خلَّانا سَبب في إنّها تِتحَل.

تمَّت…

***

 

 

 

 

 

الكاتب

  • محمد عبدالرحمن شحاتة، مصر، مواليد 1989، حاصل على بكالريوس تجارة قسم محاسبة. يكتب الرواية والشِّعر الفصيح. صدر له أكوديسفا "رواية"، الموقع الأسود "رواية"، حفرة جهنم "رواية" كيد ساحر "رواية"، ليلة في عَرَقَة "مجموعة قصصية"، السّمنار "مجموعة قصصية"، كارما "سلسلة حلقات الموقع الأسود الإليكترونية-الموسم الأول". كما صدر له خمسة دواوين من الشعر الفصيح. نُشرت له عديد من القصص القصيرة والمقالات والقصائد في عديد من الصحف والمجلّات.. حائز على جائزة الإبداع  عام 2012- المركز الأول.

شارك هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *