بالشوكة والسكينة

بالشوكة والسكينة

حتى الزيتونة تأكلينها بالشوكة و السكينة؟!
كانت هذه ملاحظة رفيقتي بالسفر قبل أن تخبرني تعجبها من حرصي على استخدام الشوكة و السكينة المستمر، مضيفة أنها لم تعقب حتى رأتني أستخدمها الآن في أكل الزيتونة!
كانت تلقي علي ملاحظتها بروح الدعابة مؤكدة لي أنها منبهرة من تمكني المذهل الذي اختبرته بالرهان مع نفسها مرة تلو الأخرى في كل وجبة تناولناها سويا، حيث وجدتني -على حد قولها- أذهلها في تذليل جميع أنواع الطعام لسلطان الشوكة و جبروت السكينة!
تذيل تهكمها بأنها تمنحني وسام استخدام الشوكة و السكينة من الدرجة الأولى و تؤكد علي أنني أخطأت التخصص و أنه كان من الأجدر بي أن أتخصص بالجراحات الدقيقة استغلالا لتلك الموهبة.
لا أدري لماذا كان لكلامها وقع عميق على نفسي؛ ليس بالطبع في مراجعة اختياري للتخصص – إطلاقا – و لكنها كانت المرة الأولى أن أدرك هذه الملاحظة عن نفسي، تناولتها بيني و بيني بعدها تلك الليلة بغرفتي بالفندق بمجرد أن أويت إلى مضجعي، حاولت درء هذا الأداء عن نفسي و لا أدرك تماما لماذا كنت أحاول نفيه و لكنني فشلت تماما في ذلك و تيقنت بما لا يدعو للشك أنها محقة تماما.
أراجع نفسي فأجدني أتناول بيض الفطور “بالشوكة و السكينة”، التوست الممسوح بالزبد “بالشوكة و السكينة”، أرز وجبة الغذاء، الطيور، اللحوم، الخضار، التحلية – حتى الفاكهة – أتناولها ….”بالشوكة و السكينة “.
هي محقة تماما! و لكن ما أهمية كل ذلك؟! ما الضير؟! اكتشفت أنني أعمم استغلال هذه الموهبة في جميع مناح الحياة!
نعم – أنا أتناول حياتي جملة و تفصيلا “بالشوكة و السكينة”، أبذل قصارى جهدي ألا تتسخ يداي بالانغماس في شأني انغماسا حقيقيا و أتحايل على ذلك بكل ما أوتيت من مهارة و براعة حتى أتمكن من إدارتها كاملة “بالشوكة و السكينة”!
لم يمنعني ذلك قط من تذوق كل تفاصيل حياتي، و لكني اجتهدت اجتهادا عجيبا -لست متيقنة من جدواه – في الحفاظ على رونق ردائي و نظافة أناملي و جملة رقيي!
أظنني بحاجة إلى اغتراف مشاكلي بكفي، ربما لو كنت أتحسس مكوناتها بخلاياي العصبية لكنت عرفتها بشكل أقرب، ربما كنت استطعت أن أعتصرها ألما حتى أزهق روحها و أتأكد من توقف أنفاسها للأبد !
و ربما كان في ذلك طمأنينة لي كفيلة بأن تُخْرِس ذاك الوسواس اللعين الذي ينذرني أن بعضا منها نجا من مصيره عقب تناولي لها لأن قبضة شوكتي لم تكن بالإحكام الكافي أو لأن نصل سكيني لم يكن حادا بما يكفي.
أظنني بحاجة إلى أن أفتت مسؤولياتي بين أناملي إلى قطع أصغر من تلك التي أقطعها “بالشوكة و السكينة”، ربما أتاح لي ذلك مضغها أسهل! أو استساغتها على نحو أطيب المذاق! أو مكني من هضمها على نحو أخف وطأة على معدتي المتمردة التي طالما تقلصت رفضا لتلك المسوؤليات التي تفوق طاقاتها معلنة احتجاجها باضرام النار بصدري فيضيق هو الآخر ذرعا بها و يعصراني ألما!
أظنني بحاجة إلى أن انغمس كليةً في تفاصيل حياتي غير مبالية باتساخ يدي أو تلطخ ملابسي أو تهديد أناقتي أو المساس برقيي ، ربما كان لذلك عائدا مجديا من زيادة وعيي بها و زيادة ادراكي بملابساتها على نحو أعمق و أكثر فاعلية، لست متأكدة من هذه الفرضيات و لكن ما أعرفه يقينا أنني في قمة الغيظ لمجرد فكرة أنني لم أغرف تفاصيل حياتي بكفي قط!
على مائدة الفطور باليوم التالي، تدخل رفيقتي بنوبة ضحك هستيري حيث أبادلها النظرات الساخرة و قد ارتسمت على ملامحي المتعة الطاغية وأنا أغمس كفي بكل محتويات طبق فطوري و أعصر مكوناته بين أناملي بنشوة شديدة و قد أصابت ملابسي بقع عدة جراء نقل الطعام على هذا النحو إلى فمي.
تضحك و أضحك حتى تقطع ضحكاتها مردفةً: فُضحنا!
فأحرك حواجبي إيجابا بفخر و استمتاع و أرد: ليكن!

الكاتب

شارك هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *