بيت من غرفة واحدة

بيت من غرفة واحدة

نسكن في غرفة واحدة، أنا و أخي الصغير، و جدتينا.
أحد جداتي تحب شعري مجدول بضفيرة مهندمة شديدة الضيق،
تكاد تتمزق منها ألما بصيلات شعري عند منبتها،
حين أتذمر على ذلك، تخوفني بأن تزعم أن شعر الفتاة يتحول إلى ثعابين و حيات تنفث سمها بسوء الأخلاق، إذا ما تُرِكَت دون احكام ضفائرها!
هي أيضا، تصر علي أن ألبس نظارتي باستمرار، بالرغم أن ضعف نظري طفيف جدا، لا يستدعي هذا، و لكنها تؤكد لي أنني بهذا الضعف الذي أخاله طفيف، فريسة سهلة للوحوش، لأنها -بحسب خبراتها الثرية- تعلم أن الفرق بين الوحوش و الطيبين لا يزيد عن ٢ مم في انفراجة أسايرهم، و أن تلك الزيادة البسيطة سوف تخفى عني بسهولة إذا لم ألبس نظارتي!
تحرص أن أعقد رباط حذائي بعقدة مضاعفة ، و تتدعي أن رباط حذائي إذا لم يعقد على هذا النحو، فقد تتعثر خطواتي، لأسقط على وجهي، أو ربما أهوي من عل إلى الدرك الأسفل من الخيبة!

أما جدتي الأخرى، فهي تفضل شعري منسابا، مسدلا على ظهري، تحب أن تزينه بوردات رقيقات في تاج تضعه على مفرقه، تدهن لي بعض المرطبات لتخفف من تمرد خصلاته، تؤكد لي أن الفتاة يجب أن تظهر بهذا المظهر المريح، الناعم، ترفض نظريات جدتي الأولى و تحثني أن لا أقيم لها وزنا، و تؤكد لي أن قصة الثعابين تلك أسطورة خلقتها العقد النفسية، و لكنها ترهقني باستمرار تصفيفها لشعري كل دقيقة، و مبالغتها في الاهتمام بمظهر تاجي، كما أنه يزعجني وضع كل هذه الزيوت و الدهانات على شعري لضمان إذعانه للمظهر “الناعم” الذي يفترض أن يطل به!
لا أفهم قصد جدتي بالمظهر “المريح”، لا شيء مريح في كل هذه التعقيدات و الطقوس الرتيبة!
تنصحني دوما بلبس نظارة الشمس، تؤكد أن حدقتي سوف يحترقا من حرارة الواقع إذا نسيتها يوما!
تحثني على ارتداء حذاء الكبرياء العالي، تؤكد لي أنه إضافة أساسية لطلتي، حيث يمنحني ما احتاج إليه من اعتدال في قامتي، و انتصاب لظهري، فلا يميل لكلمات لا تقدر مكانتي، كما أنه يضيف إلى طولي بعض السنتيمترات التي تؤهلني لأن أُرَّى، و تخبرني، أنني لولا هذا الكعب، قد لا يعتري لشأني أحد!

أما أخي الصغير، فهو الأقرب لي على الإطلاق، لديه عادة تحركها نزعة لحوحة في نعكشة شعري، يفعل ذلك في مرح، و نضحك سويا ضحكا تنتفض معه قلوبنا على مظهري إذا تطلعت بالمرآة.
لا يقطع سمرنا و بهجتنا سوى توبيخ جداتنا لي، حيث هذا هو المشهد الوحيد الذي تتفقان فيه!
تتكاتفان كفريق اجتمع على تنفيذ أغلظ و أشد أساليب العقاب!
يحملق أخي في عيني بعد أن ينزع عنهما نظارتي، نتبارى من منا سيرمش أولا، نضحك و نسخر ممن يفعل، حتى ترانا أحد جداتنا، فينهرانني على خلع النظارة، بعد أن تذكرني كل منهما بالخطر الجسيم الذي أعرض نفسي له بخلعها عن عيني!

أحب أن العب أنا و أخي حافين الأقدام، نعشق احساس حرارة الأرض على جلد أقدامنا، نقفز في الماء و نضحك إذا بعثر أي منا بعض الماء على الآخر من قوة قفزته، و نتنافس في ذلك!
ثم تأتي جداتنا فيجن جنونهما لنزقنا، يكيلان لي محاضرات من اللوم و العتاب لغفلتي و عدم تقديري لعواقب أفعالي!
دائما أتلقى أنا اللوم دون عن أخي، يوعزون ذلك لأنني الأكبر، و لأنني أنا
الفتاة!
حقيقة، لا أفهم ذلك، و لم و لن أفهمه يوما!

نسكن أنا و أخي و جدتينا في نفس الغرفة، يعلو فيها كل يوم صوت ضجيج لا يطاق، متمثلا في صراخ دائم بين الجدتين، صخب لهوي أنا و أخي في عبث و فوضى سعيدين و ما يتبع تمتعنا من توبيخ الجدات، و ما يصاحب ذلك من استغاثاتنا أنا و أخي، و ما يلي ذلك من بكائنا حد النشيج يأسا من الإغاثة.

نسيت أن أخبركم بعنوان غرفة سكننا، نسكن أنا و أخي الصغير، و جداتينا بغرفة واحدة، تعلو رأس كاتبة هذه الكلمات!

الكاتب

شارك هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *