قراءة في رواية عزازيل

قراءة في رواية عزازيل

منذ أكثر من عشر سنوات ، كنت فى محطة مصر انتظر القطار المتجه الى محافظتى بني سويف…..
ومن عادتي قبل أن استقل القطار ، اتفحص بنظري الكتب التى تباع فى مكتبة المحطة ، فوجدت رواية عزازيل للكاتب الكبير يوسف زيدان.
كنت قد سمعت عنها الكثير ، حتى تعلق قلبى بها شغفاً ، وتمنيت أن تكون بين يدي يوماً ، فلم أصدق نفسي عندما رأيتها … فسألت صاحب المكتبة عن ثمنها ، فرد قائلاً : ثلاثون جنيها ، فأعطيته النقود على الفور ، ولو طلب منى ألف جنيها كنت اعطيته إياها دون تردد ..أمسكت بها وكأني حظيت الدنيا وما فيها ، فغمرتني السعادة ، وظللت التهمها قراءة دون أن أشعر بالطريق ، ولا بمن حولي ، ولم أفيق إلا على نظرات ركاب القطار تحيطني من كل اتجاه ، ولم أعلم حتى الآن هل كانت نظرات إعجاب أم استغراب..
أخذتني الرواية إلى عالم عجيب لم ألفه من قبل .. قراءتها أكثر من عشر مرات ، وكنت أدون ملاحظاتي على هوامش صفحاتها ، وفى كل مرة أكتشف شيء جديد غير ذى قبل .. فكانت المفاجأة بالنسبة لي عندما علمت أن فكرتها نبعت من لوحة مرسومة على أرضية قبو مكتبة الإسكندرية ( لوحة اللبن المسكوب وبجواره كلب) والتى أوحت لكاتبها أن يُوجد لها صاحب ، فكان الرجل الصقلي ، ثم أوجد له خادمة ( اوكتافيا) ، حتى وصل إلى ( هيبا) بطل الرواية الرئيسي……
(عزازيل) ليس هو الشيطان الذى نعرفه بالمعنى الدارج ، بل هو شيطانة الأفكار التي تنتاب الإنسان من حين لاخر فلا يجد مناص منها ….
الرواية عبارة عن فلسفة عميقة تجسد مدى التداخل والتناقض بين الوجودية والذات الإلهية، هى صراع يحركه عزازيل داخل نفس( هيبا ) بين ما أراده وما لم يريده ….
أما عن يوسف زيدان، فهو كاتب لا يتفق ولا يختلف عليه اثنان ، وهذا سر عبقريته .فنجد نوعان من قُراءه لا ثالث لهما ، قارئ محترف لا يميل للإجابات الجاهزة ، وهذا ما يخاطبه بكتاباته….أو قارئ هاوى يتباهى بقراءته للكُتاب الكبار ، وهذا لا يجد ضالته عنده.
وسواء اختلافنا أو أتفقنا عليه ،لا نستطيع أن ننكر أنه كاتب مبدع ، يمتلك ناصية الكتابة الروائية بكل ادواتها – رغم زيادة الجرعة الفلسفية فيها – كما استطاع تغيير مجرى الكتابة العربية كما فعل جابرييل ماركيز بعد كتابة روايته الشهيرة( مائة عام من العزلة)..فسار على دربه الكثيرون .
وعندما شرع فى كتابة عزازيل لم يكن يقصد كل هذه الضجة التى أحدثتها ، ولم يكن يعلم أنها بوابته لمعرفة الناس به وحصد الجوائز ، لكنه أعتبر أن أكبر جائزة حصدها عبر مشواره الأدبي ، هذا الجيل الواعى الذى التف حول كتاباته وفكره .
فتحية تقدير ومودة لهذا الكاتب المبدع بقدر إبداعه وفنه.

شارك هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *