قصص قصيرة
الإمام
يعظنا (الإمام) بوجه مكتنز قائلا: عليكم بالزهد والرضى، انشغلت عنه بملاحظة تلك الخيوط الذهبية التي تزين عباءته .
الوحدة
أنا صورة إنسان مرسوم بالطباشير على حائط السجن الرطب، قال لي من خط ملامحي: لا ترفع صوتك، فيسمعك السجان؛ فيبطش بك. منذ ثلاثة أيام أخذوه لينال حصته من التعذيب، لكنه لم يعد، كم أشعر بالوحدة!
في حضرة أمي
في حضرة أمي، ينام الحرف آمنا، على كفيها تعشش العصافير، واليمام، وصالح الدعاء، وعلى جبينها، ينبت العطر، والورد، والنور.
في حضرة أمي، يخف الحمل، وينشرح الصدر، ويغفر الذنب.
في حضرة أمي، يزول الشك، وينزل اليقين على قلبي بردا وسلاما.
في حضرة أمي أعرف أن الله موجود.
الملائكة لا تمشي على الأرض
قالت لي: كُف عن ادعاء المثالية، واخلع قناع تواضعك الزائف، وألقِ تلك الطيبة المستفزة من نوافذ عينيك، فلو كنت كما تدعي لماذا خلقك الله على هذه الأرض؟!
الولي
استقبله أهل القرية بالود، والترحاب، والتقديس، فقد ذاعت كراماته، وطافت أنحاء المعمورة، قالوا له بكل أدب جم: سيدنا المبارك الولي الفقيه العارف بالله نريد أن تأذن لنا بقتلك حتى يتسنى لنا أن ندفنك هنا ونجعل من قبرك مزارا نتبرك به ونحج إليه كل عام، حاول الشيخ بلع ريقه الجاف، وهو يرفض عرضهم السخي، وكرمهم المبالغ فيه، فقال بصوت مرتعش خائف: أنا كثير الذنوب والمعاصي، أنا أقل بكثير من أن أصبح وليا من أولياء الله الصالحين ولكنهم رفضوا تواضعه الواضح ولم يمهلوه حتى ينطق بالشهادتين، فطعنه أحدهم ثلاث طعنات نافذة، سقط صريعا مضرجا بدمائه، فعلا صوت تكبيرهم.
قبل حروف الهجاء
قالت بصوت واهن وكأنها شهرزاد تروي حكايتها الأخيرة : هل تدري أنه في لحظة ما، لم يكن هناك سوى العدم، والوحدة، والفراغ الموحش أكثر من الموت؟ بل لم يكن هناك موت، كانت هناك أبدية ، حيث لا زمان ولا مكان ، قبل أن تولد الطاقة، وقبل أن توجد المادة، قبل الذرة، والمجرة، قبل شريط DNA، والخلية، قبل حروف الهجاء، والكلمة، قبل المقام، وقبل الدرويش، قبل رائحة البحر، وطعم التفاح، وزرقة السماء، قبل كل الحواس، قبل الحضارة، قبل العقل، قبل مخاوفنا، وأحلامنا، قبل الحياة. أغمضت عينيها وأكملت: يمكن في تلك اللحظة كنت سأشعر وقتها بالأمان.
القصة من النهاية إلى البداية
(1)
ملازمة للفراش، ضوء شاحب، لون باهت، وردة ذابلة، فراشة مقصوصة الجناحين، بريق عينيها ينطفئ رويدا رويدا، يخيل لي أنها تبتسم، أبكي بلا صوت.
(2)
تبتسم في وهن قائلة:
-ستظل تحبني إلى الأبد
-سأحبك إلي ما بعد الأبد
-الفيزيائي المادي يؤمن الآن
(3)
أتذكرها غاضبة وهي تقول:
-شيء من لا شيء أي عبث وأي حمق.
-إنها نظرية ولها أدلتها
-تؤمن بالنظرية وتعرض عن الحقيقة الظاهرة
-ليس هناك حقيقة مطلقة
– أليس حبك لي حقيقة
(4)
تعود بي الذاكرة إلي لحظة الانفجار العظيم ومولد الكون يوم رأيتها في المكتبة، تشتري كتاب البدايات لنيل ديجراس تايسون – دونالد جولد سميث، ابتسمت لها، فابتسمت
لماذا لم تنتهِ القصة عند بدايتها؟!
قهر
غلَّقت الأبواب، وجلست تكتب بحذر، تخاف أن ينتشر عطر كلماتها، فيعلمون أنها مذنبة بفعل الكتابة.
مجرد سؤال
لقد تحدثت معكِ عن كل شيء، الاشتراكية الثورية، العدد الذري لذرة الماغنسيوم، لون أنثى ذبابة الفاكهة، ديانة السيخ، مذبحة المماليك، انقراض الماموث، الاحتباس الحراري على كوكب الزهرة، سيكولوجية طائر أبوقردان. فلماذا لم تجيبينى؟
ظل باهت
لم يختر في حياته شيئا، لا اسما، ولا أبا، ولا أما، ولا وطنا، ولا زوجة، ولا ولدا، كل شيء كان مفروضا عليه ومعد مسبقا، حتى أنه عندما مات راقدا على جنبه الأيمن متطلعا إلى نافذة الغرفة الوحيدة، حرك أحدهم جسده بيدين باردتين ليواجه حائط الغرفة الباهت.
وعد
وعدتها أن أفهمها، أن أراها، أن أتحدى كلمات العشق القديم، وأخترع حروف عشق جديدة، تناسب لون عينيها الأندلسية، لكن الحياة قاسية، تطحن الأعصاب، والعظام، والوعود، افترقنا، ومازال في القلب منها حطام ورد، وبقايا عطر، وبحر، وكلمة، ولون، وحلم، ولقاء مستحيل.
سيزيف
ملل، عذاب سيزيفي، مئات الوجوه تتمنى لك الجحيم، آلاف الأوراق، أختام، ضجيج، ابتسامات لزجة، فنجان شاي أسود، كئيب، بارد كليلة رعب بلا قمر، يذيقك مرارة الدنيا، ويذكرك بعذاب الأخرة، لعنات تصب عليك صبا كأنك من الكفار، مدير مربع كلما بدا لك يصبح الهواء ثقيلا، يقذفك بنكتة، انتهت صلاحيتها بانتهاء الخلافة العثمانية، لا يضحك عليها إلا هو وبعض المتملقين رافعي شعار “شلوت سيادتك يا أفندم دفعة للأمام”، بعدها يتدحرج عائدا لمكتبه، آمنا، مطمئنا أنه أدى عمله على أكمل وجه.
اترك تعليقاً