شيكو
إعتدتُ منذُ سنوات طويلة، أنّ لا أسير إلى مدرستي في طُرق بعينها، وذلك لأني أخشى “كلاب الشارع” وظلَّتّ هذه العادة تُلازمُني رغم أني تجاوزتُ الثلاثين وهذا لاشك أصبح لايليق بي في هذه العمر المُتأخرة، وبالأمسّ وأنا ذاهبٌ لعملي مرَرّت وليتنى لم افعل، كل ما أقترفته أني وجَدت خمسة جنيهات مُلقاه بجانب عربة مَكسُوة حتى أطراف عجلاتها، فحمدت الله فهذا حدثٌ فريدً من نوعه والأول في حياتي، هرّوَلت إليها بحذر وأنا أتأكد أنَّ لا أحد يراني، أخشى على هيبتي أن تهتز، لكن لم يكتمل الأمرين، فلا نولّتَ المُنى، ولا أستطعت الإحتفاظ بوقاري! أقلقّتُ نوم أحدهم ، فقام من إستراحته، وصار ينبح وكأنه يُنادي أقرانه النائمون وألتفوا حولي لولا ستر الله، أنعم عليَّ بأحد الأطفال من أصدقائه، بمُجرد أنّ نداه بإسمه ” شيكو” فهدأ وهمس لأقرانه من الكلاب أن تتراجع، مرَّت الحادثة بسلام، نَزَلَ الطفل وأخذ الخمس جنيهات وجالسهم، وأنا في إندهاش من أمري، تمنيتُ أن الأرض تـنّشَقُ وتبتلعني، وصِرت طوال يوم العمل، أفكر ماذا افعل ؟
في طريق عودتي بعد الظهيرة لم أصدق ما رأيت في عين من كان صوته يجلجل الصباح بالـنِـباح وجدته مكسورّا، عيناه مُغَـرّغرة بالدموع، آخذ وضع القرفصاء، خشيت النظر له، لم يُطاوَعني قلبي، أتركهُ على حالته، حزينًا يكاد أن يصرخ، يريد أن يقول شئ و لا يتَـثنَّى له أن يَـنّطق، ونباحه الصارخ أصبح همهمات حازنة مُتقطعة، يصحبُها إنجراف دموع الخوف والذُعر.
– ما دهاك ياعزيزي، من يرى صدى نِباحك، لا يصدق حالتك هذه ..
مازال يرّتَعش، حتى أخذتني الشّفَـقة، رأفَـةٌ بحاله رغم ما أضاعه عليّ، تذَّكَـرت الطفل نَظرتُ إلى الأعلى، فـنَظرَ معي إلى الشرفة، زادت رجفته، أتت الشرطة وزاد الصخب، أنتبهت لأرى مايجري حولي، تَخرُج أم الطفل لآطمة خديها
– حسبي الله ونعم الوكيل..
كادت أن تَـقـفز لولا أمسكوا بها، إذ بالشرطة قابضة على زوج أمه، فقد قُتل الطفل بعد ما إنهال عليه بالضرب، فلم يُعطيه الخمس جنيهات ليشتري سجائر “فرط”، عَلِمـتُ بما في نفس صاحبنا، مما أضّناه من ألم، مدَتّتُْ يدي وحسَسّت رأسه تطيبًا بخاطره، وفي الصباح مرَرّت عليه لكن لم يُفيد؛ مات شيكو ..
اترك تعليقاً