رَقصَة
هذهِ رقصتُنا الليليةِ، وذاكَ عِطرُها الساحرُ يتسلَّلُ إلى رئتيَّ، وهذا قلبي؛ كشجرةٍ تؤتي أُكُلَها كلَّ لقاءٍ بيننا، أمَّا عنِ الضوءِ؛ فَخافِتٌ لا يسمحُ سوى برؤيةِ عينيها البُنِّيتين، بينما يتوسَّدُ رأسُها كَتفي، وَتَحطُّ يَدٌ لها كيمامةٍ فوقَ كتفي الآخر؛ فأقولُ ككلِّ ليلةٍ:
-مُثيرةٌ أنتِ؛ وأنا الذي لا طاقةَ له بكلِّ هذهِ الرَّوعة.
-أنت رائعٌ أكثر.
ثمَّ تقتربُ بما لا يَسمحُ بمرورِ الهواءِ من بيننا؛ فأقولُ:
-فُستانٌ مُدهِشٌ.
-تَعرفُ أنّي أرتديه دائمًا.
ثمَّ تغتالُنا يَدُ الصمتِ؛ ففي كلِّ ليلةٍ لا نجدُ ما نبوحُ به سوى ذلكَ الحديث، لكنَّنا نُكملُ رقصتَنا السّاحرة، أنهَلُ من نبعِها الذي لا يَنضبُ، وتَنهلُ هي من مَعيني.
لا أعرفُ متى تبدأُ رقصتُنا الليلية، ولا متى تَنتهي، كلُّ ما يهمُّني أنَّها أسيرةُ عالمي؛ وأنا كذلك، فقطُ أغمضُ عيني، مُمسٍكًا بأكُفّها، مُستسلمًا لملمَسِها البَض، حتّى تلكَ اللحظةِ التي ينتشلُني فيها مُنبّه هاتفي؛ مُعلنًا عن رسالةِ تذكيرٍ تتكرُّرُ كلَّ ليلةٍ، تُذكّرُني أنّي أعاني فقدانَ ذاكرةٍ إثرَ حادثِ انقلابِ سيارةٍ قديم، وأنَّها كانت بِرفقتي، والآنَ لَم يَعُد منها سوى فستانها المُلطَّخِ بدمائِها، والذي أراقِصُه الآنَ، والذي لا أعرفُ أيضًا؛ كيفَ تنسلُّ منه كلَّ ليلةٍ عندَ رنينِ المُنبّه؛ تاركةً إيَّاه خاويًا في يدي!
***
اترك تعليقاً