البوتيك

-مساء الخير.

-مساء النور يا فَندم، أي خدمة.

-عاوِز فُستان عَشان هَبعته هديّة.

-كل التشكيلة اللي في البوتيك تَحت أمرَك، لكن المُهم المَقاس.

-مَقاسِك بالظَّبط.

-والفاتورة هَتطلع باسم مين يا فَندم.

-اكتبيها باسم “مُنير”.

كَان شاب وَسيم جدًا، بينطِبق عليه مَقولة العرَب زمان “لكل امرئ من اسمِه نصيب”، دَخَل البوتيك قَبل ما أقفِل برُبع ساعة بَس، في الوَقت دَه بَكون مُنتظرة مدام “عواطِف” صاحبة البوتيك؛ عشان تِستلم منّي الإيراد، أوّل مرَّة أحِس إنّي بَحسِد حَد على حاجة، لدرجة إنّي حَسدت البِنت اللي هو جاي مخصوص يشتريلها هديّة.

قعدت مغمَّضة عيني؛ لأن ريحة البرفيوم بتاعته كانت لسّه في المَكان، أوّل مرَّة حَد يلفِت نَظري بالطريقة دي، لدرجة إنّي سَرَحت، مَفوقتِش غير على صوت مدام “عواطف” وهي بتقولّي:

-أنتِ نايمة يا “إحسان”؟

اتخضّيت من صوتها وفَتحت عيني فجأة وقولت:

-مُش نايمة ولا حاجة، لكن إحنا في آخر اليوم والوقت اتأخّر، مُمكن شويّة إرهاق.

أنا لسّه جديدة في البوتيك، يادوب شغّالة فيه من أسبوع، لكن عرفت إنّها متعوّدة تقعد على كُرسي المَكتب، وتراجِع الفواتير وتعِد الفلوس عشان تشوف الحِساب مَظبوط ولا لأ، انتظرتها لِحَد ما تخلَّص ولقيتها بتبُصّلي وبتقول:

-في فاتورة طالعة من شويّة.

استغربت كلامها وقولتلها:

-من حوالي رُبع ساعة بس، هي فيها مُشكلة؟

-لا أبدًا بَس زبون آخر الليل، مُش بتحصل كتير.

-تقريبًا واخِد الفُستان هديّة، وكان واضِح عليه إنه مِستعجل جدًا.

-كُله فايدة للبوتيك.

لمّا خلَّصت وخرَجِت قفلت البوتيك وروَّحت، ولمّا قعدت شويّة مع أمّي ودخلت أنام بَعدها، حسّيت بريحة البرفيوم اللي كانت فايحة من هدوم الشّاب موجودة في الأوضة، بَقيت مِستغربة، لكن فسَّرت دَه بإن البرفيوم قوي ومُمكن يكون سايب أثر في هدومي، لأنّه كان واقِف قريّب منّي وأنا بكتب الفاتورة، والنوم أخدني، ولمّا صحيت لقيت الدنيا طبيعية، لا في ريحة برفيوم ولا حاجة، يِمكن كنت لسّه متأثّرة بلحظة الإعجاب المؤقّت اللي حصلِت بَس، فَطرت وساعدت أمّي شوية في شُغل البيت، وبعدها خَرجت على ميعاد شُغلي.

بَعد ما فَتحت البوتيك، وعَملت الرّوتين اليومي، واتأكّدت إن الملابس مَظبوطة على المانيكانات، قَعدت انتظر أي زبون يدخل يسأل عن حاجة، اليوم كان طويل ومُمِل، لأن عادةً الحَركة مبتبدأش غير آخر النهار، ولمّا الرِّجل بدأت تيجي على البوتيك، كُنت بشوف طلبات الزباين، وقفت وقت طويل لأن كان الزبون بيخرج وألاقي زبون تاني داخل يسأل، ولمّا فضيت شويّة قَعدت على المكتب آخد نَفسي، ولمّا غمّضت عيني عشان أحِس باسترخاء، سِمعت صوت بيندَه عليّا وبيقول:

-“إحسان”.

إحساس الخوف اللي حسّيته كان زي التَّلج لما يلمِس جسم الإنسان في عِز البّرد، لقيتني اتنفّضت من مكاني وأنا بَبُص حواليا، الصوت غريب لكن البوتيك فاضي والدُّنيا هادية، قولت يِمكِن بيتهيّألي، رِجعت على المكتب أريَّح رِجلي من تاني، وساعتها سمِعت نفس الصوت، اتكرَّر بنفس النبرة، اتأكّدت إنها مُش تهيؤات، نسيت الإرهاق وقومت من مكاني، بدأت أشوف الصوت جاي منين، مُستحيل يكون من برَّه البوتيك لأنّي سمعاه من مكان قريّب.

لكن المفاجأة اللي لقيتها؛ هي إن المانيكان اللي جَنب المكتب متحرَّك، واللي كان لابِس طَقم شَبابي من الأطقم اللي نازلة جديد.

حاولت على قَد ما أقدر أفتِكر، يِمكِن أكون حرَّكت المانيكان وأنا بنضَّف، أو خَبطت فيه بدون ما آخد بالي في الزَّحمة، لكن ملقِتش إن حاجة من دي حصلِت، لكن بطريقة ما المانيكان غيَّر اتجاه وشّه وبقى باصِص ناحية المَكتب.

لمّا مقدِرتش أوصل لحاجة؛ قرَّرت أراجع الكاميرا، قعدت قدّام شاشة الكمبيوتر وبدأت أرجَّع التسجيل، كُنت بَجري في الوقت لِحد اللحظة اللي بدأت أشوف فيها وش المانيكان ناحية المَكتب، رِجعت قبلها بشويّة عَشان أشوف هو لَف وشّه ازّاي، ولمّا وصلت للحظة دي، شوفت نفسي في الكاميرا واقفة بتكلّم مع زبونة وضَهري لُه، وساعتها شوفت المانيكان بيلِف وشّه من نفسه للمكتب!

مَبقِتش قادرة أتلم على أعصابي، فضِلت أعِد في الوقت لِحد ما مدام “عواطف” وصلت في ميعادها كل ليلة عشان تِستلِم الإيراد، ولمّا لَقت وشّي مخطوف قالتلي:

-مالك في حاجة حصلِت؟

مكُنتش عارفة أقولّها ولا لأ، ولو قولت هتصدّق ولا هتقول عليّا بخرَّف، لكن أنا عندي إثبات موجود في تسجيل الكاميرا، يعني لو قالت أي كلمة هخلّيها تشوف بنفسها، ودَه اللي خلَّاني قولتلها:

-على فِكرة المانيكان اتحرَّك من نفسه.

سابِت اللي في إيدها وبصَّتلي باستغراب وقالت:

-مانيكان إيه اللي هيتحرَّك لوحده؟ إيه الجِنان دَه؟

-لو مُش مصدَّقة تقدري تشوفي دَه بنفسك في الكاميرا، أنا شوفته.

قعدنا قدّام الكاميرا ورجَّعت التسجيل، لكن مكُنتش أتخيّل إن الكاميرا تكدّبني هي كمان، المانيكان كان ظاهر طول التسجيل وهو باصَص للمكتب!

انتظرتها تقول أي حاجة لكنّها كانت مُكتفية بإنّها تبُصّلي بطرف عينها، زي ما تكون بتوصّلي رسالة بتقولّي فيها خلّي بالك من أكل عيشك، وأنا مكَنش عندي أي حاجة أقولها؛ عشان كِدَه مَنطَقتِش.

في اليوم التاني، مكَنش ورايا غير إنّي أعيد التسجيل مرّة ورا التانية، وفي كل مرَّة كُنت بشوف المانيكان وهو بيتحرَّك، أنا مُش بيتهيّألي، لكن ليه لمّا مدام “عواطف” شافِت التَّسجيل كُل اللي شوفته مكَنش موجود؟!

الحكاية بدأت تِشغل دماغي، أنا استلمت الشُّغل من أسبوع ودي أوّل مرة تحصل فيها حاجة زي دي، لكن بدأت أعدّي يومي وأتعامل عادي، واليوم فات زي اللي قَبله، ولمّا سلّمت الإيراد لمدام “عواطف” وانتظرتها لحد ما مِشيت، وطفيت النور عشان أقفِل البوتيك، لقيت الباب الإزاز مَبيفتَحش، حاولت كتير لكن كل محاولاتي فشلِت إنّي أفتَحه، والنور لمّا انطفى كان مخلّي الرؤية شِبه معدومة، بدأت أسمع صوت حاجة مَعدن بتزحف على السراميك ببطء، قلبي اتهَز من الخوف لمّا لقيت إن الصوت بيقرّب منّي، ولمّا الصوت وَقَف، بدأت أدقَّق في الخيال اللي ظَهر قدّامي، مُش عارفة ليه طاوِعت فضولي ومدّيت إيدي ناحيته، واتفاجأت إنّي بَلمِس وِش المانيكان، واللي كان وِش حقيقي مُش مجرّد بلاستيك!

رِجعت لِورا لحد ما ضهري لزق في إزاز الباب، الصدمة كانت أقوى من إنّي أتحمّلها، مَكُنتش عارفة أهرب لفين، البوتيك اتحوّل لسِجن وجوّاه شيء غريب مُش مفهوم بيطاردني، غمّضت عيني عشان مُش عاوزة أشوف الضلمة اللي حواليّا، واللي كانت مزوّدة الرعب جوّايا، نزِلت في الأرض على ركبي وحطّيت وشّي بين رجليّا، مكَنش في وسيلة للهروب من اللي أنا فيه غير كِدَه، ضربات قلبي كانت بتهِز جسمي، مكُنتش قادرة أمسِك أعصابي، بدأتِ الدموع تنزل من عيني رغم إنّها مقفولة، وفضِلت على الحال دي لحد ما الخوف اللي جوّايا خرج على شَكل رِعشة ودموع، بدأت أحِس بهدوء، وساعتها رَفعت عيني، الرؤية كانت مشوّشة من كُتر ما عيني كانت مقفولة، ومع الوقت بدأت أشوف الضَلمة من تاني بوضوح، وساعتها ملاحِظتش المانيكان قدّامي، قومت من مكاني وأنا رجلي زي العجين شايلة جِسمي بالعافية، قاوِمت ومشيت لحد ما وصلت عند مفاتيح الكهربا، وساعتها فَتحت النور، عشان أتفاجأ إن المانيكان في مكانه مَتحرَّكش، لكن كان وشّه بيبُص في ناحية تانية غير المَكتب!

كُنت عايزة أهرَب من المكان بأي شَكل، عشان كِدَه روحت عند الباب وفَتحته، وساعتها اتَفتح بكل سهولة، استغربت ليه كان زي الحيطة اللي محدّش يقدر يحرَّكها من مكانها لمّا جيت أفتَحه من شويّة، في الوقت دَه بَس دخلت طَفيت النور وخرجت وأنا رِجلي مُش بتعلّم على الأرض من الخوف، خرجت من البوتيك وقفلت الباب الإزاز، وبعدها نزّلت الباب الصّاج، لكن قَبل ما أمشي من المكان، كُنت سامعة صوت المانيكان وهو بيزحف جوّه.

مفكّرتش في النوم طول الليل، قعدت وكُل تفكيري إنّي أسيب الشُّغل، لكن زي أي حَد احتياجاته بتمنعه إنه ياخد خطوة زي دي، أنا مِحتاجة الشُّغل لأنّي ببساطة بَصرف على نفسي وأمي، ومكَنش في فرصة أحكي لمدام “عفاف” عن اللي حصل، لأني طلعت في المرّة اللي فاتت حَد مجنون بيشوف تهيّؤات، عشان كِدَه كُنت مضطرّة أستَحمل لِحَد ما ألاقي فُرصة تانية.

لمّا خرجت تاني يوم الصبح وروحت البوتيك، بدأت يومي عادي جدًا، لكن قرَّرت إنّي هَقعد قدّام البوتيك من برَّه، ومُش هدخُل غير لما يكون في زبون بَس، الحَركة كانت خفيفة يادوب زبون أو اتنين، لِحَد ما لقيت بِنت جاية ناحيتي وبتبُص في البوتيك، قومت باعتبار إنّها زبونة، لكن لمّا شافتني لقيتها بتقولّي:

-مَدام “عواطف” بتيجي امتى؟

-هي عادتها إنّها تيجي بالليل.

-أنا عارفة دَه.

استغربت إنها عارفة وبتسأل، عشان كِده قولتلها:

-أومال بتسأليني ليه لمّا أنتِ عارفة؟!

-قولت يمكِن غيّرت مواعيدها ولا حاجة.

أنا لاحِظت إنّها بتكلّمني وعينها رايحة جاية في البوتيك، زي ما تكون بتدوّر على حاجة، وِدَه اللي خلَّاني أقولّها:

-هو حضرِتك بتدوّري على حاجة؟

-لا أبدًا، بَس أنا كُنت شغّالة هِنا من فترة وفي باقي حساب ليّا، اسمي “سَمر”، ياريت لمّا مدام “عواطف” تيجي تفكّريها.

مُش عارفة ليه حسّيت بفضول ساعتها، الخوف اللي كان باين عليها خلَّاني عاوزة أطوّل معاها في الكلام، عشان كِدَه قولتلها:

-وفيها إيه لمّا تيجي بالليل في الوقت اللي هي موجودة فيه؟

بَلعِت ريقها وبصَّت في البوتيك وبعدها قالتلي:

-لا أنا مُش هقدر آجي بالليل.

استغربت من إجابتها وقولتلها:

-ليه مُش هَتقدري يعني؟

كانت لسّه شاردة بعينها في البوتيك وبعد ثواني قالتلي:

-أصل مَبقدَرش أخرج بالليل.

وبَعدها سابِتني ومشيت، لكن لاِحِظت إنّها بتتلفِّت بضَهرها تبُص للبوتيك وهي ماشية، زي ما يكون جوّاها سِر أو خوف، شيء غريب مُش قادرة أفهمه، لكن كان دوري أوصّل الرسالة اللي سابتهالي، ولمّا مدام “عفاف” جَت في ميعادها وبعد ما استَلمِت الحساب بلَّغتها، وساعتها قالتلي:

-فعلًا باقي من حسابها 500 جنيه كُنت نسياهم.

ومدّت إيدها في شنطتها طلَّعت رُزمة فلوس، جهّزت المبلغ وقالتلي:

-خلّيهم معاكِ ولمّا تيجي تاني اعطيها باقي حسابها.

في اليوم التاني، نَفس الميعاد تقريبًا، كُنت واقفة في البوتيك، والبِنت جَت وسألتني إن كُنت بلَّغت مدام “عواطف” ولا لأ، وساعتها طلَّعت الفلوس وقولتلها:

-أكيد بلّغتها ودَه باقي حسابك.

مدّيت إيدي بالفلوس عشان تاخدها، لكن اتفاجأت إن البِنت مُش عاوزة تحُط رجليها في البوتيك، وِدَه اللي خلَّاني خرجت برَّه أعطيها الفلوس، لكن كان عندي فضول أسألها عن سبب خوفها وقولتلها:

-إيه اللي مخوّفك كِدَه؟ بتبُصي للبوتيك بطريقة غريبة ومُش عاوزة تدخُلي!

بصّتلي والخوف لسّه على وشّها وقالت:

-أنا كُنت شغّالة هِنا قبلِك، ومشيت من المكان بسبب اللي بشوفه فيه، زي ما اللي قَبلي برضه مشيوا لنفس السَّبب.

مكُنتش مكذّباها، لأني بصراحة شوفت اللي هي بتقول عليه، وعشان كِدَه بدأت أتكلّم معاها أكتر وقولتلها:

-إيه اللي بيحصل في البوتيك؟

-محدّش فاهم اللي بيحصل، وأي واحدة بتحاول تحكي لصاحبة البوتيك بتحذّرها مرة والتانية وبعدها بتمشّيها وتشوف غيرها، خايفة تطلع سُمعة على المكان وحاله يتوَقف.

-وأنتِ حاولتِ تحكيلها؟

-أنا مشيت من غير ما أقول أي حاجة، أصل عرفت إنّي لو بدأت أتكلّم هَتمشّيني، وبما إنّي مُش قادرة على الخوف اللي كُنت بحِس بُه؛ مشيت من نفسي لأن الخطوة دي كانت لازم هَتحصل.

-كُنتِ بتشوفي إيه؟

بصّتلي وحسّيت شفايفها بترتعش وقالتلي:

-بسم الله الرحمن الرحيم، أنا ماشية.

وطارِت من قدَّامي، لكنّها سابِتلي هاجِس مُخيف كان مسيطر عليّا طول اليوم، لحد ما كُنت بسلّم الإيراد بالليل ولقيت مدام “عواطف” بتقولّي:

-البنت اللي اسمها “سَمر” أخدِت باقي حسابها؟

قولت وصوتي كان طالع بالعافية:

-أيون جَت بَعد الضُّهر أخدته.

-مالك، فيكِ حاجة؟

-لا أبدًا، مَفيش.

ولمّا مشيت وسابتني، اتكرَّر نفس اللي حَصل، بَس بطريقة أصعَب، النور كان مَطفي والباب الإزاز مَقفول عليّا وضَهري كان لازِق فيه؛ لأني مقدِرتش أهرب، قلبي كان هيخرُج من صدري مع كل رَعشة بحسّها كل ما صوت زَحف المانيكان بيقرَّب منّي، المَشهد كان طِبق الأصل من المرَّة اللي فاتت، لكن اللي زاد عليه؛ هو إنّ البرفيوم اللي شمّيته لمّا الشاب كان بيشتري فستان هدية بالليل كان موجود، معرفش ازّاي ظَهر فجأة لمّا المانيكان قرَّب، مُش دَه وبَس اللي حصل جديد، دا المانيكان كان أقرب ليّا من المرَّة اللي فاتِت، وبدأ يمِد إيده ناحيتي ويمسكني عشان يقرَّبني منّه.

صرَخت لمّا دَه حصل، وخصوصًا إنّ إيده كانت طبيعية مُش بلاستيك، نفس إحساس لمّا لَمست وشّه في المرَّة اللي فاتت، مكَنش قدّامي غير إنّي أستسلِم وأنزل في الأرض وأغمّض عيني، لحد ما كل حاجة اختَفت، وساعتها بَس قدِرت أفتح الباب وأخرج، وزي المرّة اللي فاتت لمّا اللي حصل انتهى، كان المانيكان واقِف في مكانه، لكن وشّه كان في ناحية مختلفة.

في الليلة دي روَّحت وكانت حالتي تِصعب على أي حد يشوفني، أوّل ما أمّي لَمحتني قالتلي:

-مالِك يابنتي إيه مِبَهدِلك كِدَه؟

قولتلها وأنا بحاول أبعِد أي خوف عنها:

-مَفيش بَس كان يوم كلّه تَعب.

بصّتلي شوية وبعدين قالتلي:

-في واحِد جِه من شوية وقال إنّك باعته معاه حاجة.

دماغي بدأت تلِف وتدور، حَد مين وحاجة إيه؟ أنا مبَعتّش حاجة مع حد، وده اللي خلَّاني أقولّها:

-حاجة إيه دي وحَد مين؟

-مُش عارفة لكن أنا سيبتهالِك في أوضتك.

دَخلت أوضتي أشوف إيه الحكاية، بمجرَّد ما فَتحت الباب شمّيت ريحة البرفيوم، اتصدَمت من اللي حصل، واتصدمت أكتر لمّا لقيت على سريري الشَّنطة اللي الشاب اشتري فيها الفستان، جريت ناحيتها وفتَحتها عشان أعرف إيه الحكاية، لقيت الفستان فيها، لكن الفاتورة مُش موجودة، وكان مكانها ورقة مكتوب فيها، “تتجوّزيني”!

تفكيري بدأ يودّي ويجيب، يعني دَه شاب مُعجب بيّا مثلًا وحَب يقولّي بطريقة مُختلفة، وجه ورايا البوتيك اشترى فستان وقالّي نفس مقاسِك بالظَّبط، عشان الهدية تلِف وتجيلي البيت وأفهم إنّه بيحبّني!

مكُنتش عارفة أحدّد نوع الشعور اللي جوّايا بالظَّبط، خوف ولا رهبة ولا سعادة، الدُّنيا ملغبطة في كل حاجة، ما بين اللي بيحصل في البوتيك، وما بين المفاجأة اللي مكُنتش أتوقّعها دلوقت.

الليلة فاتِت، وروحت البوتيك تاني يوم الصبح، كان عندي أمل إنّه يظهر تاني بعد ما وصّل الهدية لحد البيت، ده المَنطقي واللي المفروض يحصل، لكن وأنا على المَكتب لقيت نفسي بقلّب في دفتر الفواتير، عشان أوصل للفاتورة اللي اشترى بها الفستان، لكن اتفاجأت إن الدفتر انتهى وملاحِظتش اسمه، دوَّرت مرّة واتنين وألف، وساعتها لقيت إن الفاتورة اللي اتكتبت في الوقت اللي كان موجود فيه باسم مختلف، وشاري فستان مختلف، غير اللي عندي في البيت.

الدُّنيا لفَّت بيّا، خرجت قعدت قدّام البوتيك، واتفاجأت بالبنت اللي اسمها “سمر” جايه، كانت فُرصتي اللي مكُنتش مُنتظرة إنّها تحصل، لكن قولت استغلّها، فقولتلها وأنا بحاول أهزّر عشان أكسب ودّها:

-لسّه في باقي حساب ولا إيه؟

بصّت في البوتيك شويّة وقالتلي:

-لأ مفيش، أنا بَس جاية أطَّمن عليكِ.

جبتلها كُرسي عشان تقعد حنبي، وفعلًا طاوعتني وقعدِت، وبدأت أسألها:

-مُش ناوية تقوليلي كُنتِ بتشوفي إيه في البوتيك؟

بَلعت ريقها وفضلِت ساكتة شوية، وقالتلي:

-أنا هقولِك عشان تاخدي بالِك، البوتيك مَسكون.

-مَسكون ازّاي؟

-جِن.

-كُنتِ بتشوفي إيه بالظَّبط.

كُنت فاكراها هتقول نَفس اللي شوفته، لكن لقيتها بتحكي حاجة تانية خالِص وبتقول:

-النور انطفى عليّا في مرَّة بالليل، مكُنتش عارفة إيه السَّبب، حسّيت إنّي اتحبَست والباب كان رافِض يتفتح، حتّى لمّا حاولت في مفاتيح الكهربا النور مَرجِعش، ساعتها سمِعت واحدة بتصرخ وهي بتقول لحد: “ابعِد عنّي وسيبني في حالي، أنا أذيتك في إيه، أنا مُش عاوزاك”، في الأول افتكرت الكلام جاي من برَّه، لكن بعدها بكام ثانية شوفت واحدة قاعدة على كرسي المكتب، وعشان النور مَطفي كُنت شايفة ملامحها طشاش، كانت زي ما تكون بتتعذّب، وبعدها بدأت تصرخ وتكرَّر اللي قالته تاني، لكن كل مرَّة كانت بتقول فيها الكلام دَه، كانت صرخاتها بتكتر بعدها، وفضِل جِسمها يتنفض على الكرسي لِحد ما بطّلت تتحرَّك خالص، وفي اللحظة دي المانيكان اللي جَنب المكتب اتهزّ هزَّة شديدة.

بَلعت ريقي وأنا بَسمع، وهي كانت بتكمّل وبتقول:

-من بَعدها عرِفت من واحدة شغّالة قبلي هِنا، كانت جاية بالصدفة، إن كان في واحدة شغالة هنا وماتِت بالسَّكتة القلبية، ومن ساعتها والبوتيك بتحصل فيه حاجات غريبة ومفيش واحدة اشتغلت وبتكمّل فيه، وإنّها لمّا حبَّت تسأل عن البنت اللي ماتت، عرفت إن كان عليها جِن عاشِقها، وإنّهم كانوا بيسمعوها في أوضتها وهي بتصرخ بالليل وبتقولّه: “سيبني في حالي يا مُنير”.

لقيت نفسي وقفت من مكاني غصب عنّي، المفاجأة كانت أقوى من إنّي أستوعبها، لكنّي كُنت لسّه بسمعها وهي بتحكي باقي الحكاية:

-من ساعتها وعرفنا إن الجِن دَه خرج من جِسم البنت لمّا ماتت، وبقى ساكِن جِسم المانيكان لأنّ التماثيل مَسكَن للجِن، جَسد بديل لحد ما يلاقوا جسد يسكنوه، وبيبدأ يطارِد أي بِنت بتشتغل في البوتيك عشان يعشقها ويعيش معاها في جَسد واحد.

حاولت أكون هادية وأمسِك أعصابي وقولتلها:

-وهو ظَهرلك؟

-أنا ظَهرلي اللي شوفته وحَكيته دلوقت، لكن بنات تانية قالت إنّها شافِت المانيكان وهو بيتحرَّك بالليل، وكانوا بيشمّوا ريحة برفيوم معدَّتش عليهم قبل كِدَه، كل اللي اشتغلوا هنا عارفين الحكاية ماعدا صاحبة البوتيك، رافضة تقتنع وبتمشّي أي واحدة تتكلّم في الموضوع.

لمّا البنت مشيت، لقيتني بدخُل البوتيك، أصل أنا فهِمت دلوقت الحكاية، وفهمت ليه الفاتورة مكَنتش موجودة وكان مكانها ورقة بيطالبني فيها بالجواز، لكن لقيتني بَرجع للكاميرات، خصوصًا للوقت اللي النور انطفى عليّا فيه واتحبَست، فَتحت التسجيل وكان المكان ضلمة، لكن كُنت قادرة أشوف اللي بيحصل، شوفت نفسي وأنا قاعدة في الأرض جنب الباب الإزاز، لكن اللي كان بيقرَّب مني مُش المانيكان، دا كان “مُنير”، ساعتها بَس عرفت ليه في المرّتين اللي لمسته فيهم حسّيته جِسم طبيعي مُش بلاستيك.

في اللحظة دي النور انطفى، والباب اتقفل، حسّيت بالخوف وخصوصًا إن دَه بيحصل بالنهار، لكن حسّيت إن الزمن تلاشى والليل والنهار اندمجوا مع بعض، وفي المرّة دي مَكُنتش سامعة صوت المانيكان اللي بيزحف، دي كانت صوت خطوات حد واثِق من نفسه، ولمّا بدأت تقرَّب شمّيت البرفيوم تاني، وساعتها حسّيت بإيدين بتلِف حواليّا.

بدأت أصرُخ من الرُّعب اللي أنا فيه، ومفوقتِش غير لمّا لقيت إيدين بتمسكني من إيدي تقوّمني من الأرض، بصّيت حواليّا لقيت اتنين ستّات دخلوا البوتيك على صرخاتي، وبدأوا يسألوني لو كان فيّا حاجة تخلّيني أصرخ بالشكل ده، لكنّي حاولت أتمالك أعصابي لأن الناس كانت بدأت تتجمّع على صوتي، وقولتلهم:

-مفيش أنا بقيت كويّسة.

ليلتها قرَّرت أسيب البوتيك، وقولت لمدام “عواطف” لمّا جت في ميعادها تشوفلها حد غيري من بُكره، لكنها مسألتش عن السبب، يِمكن عشان دَه حصل كتير معاها بقت عارفة الحكاية، وساعتها قالتلي:

-البنات اللي عايزة تشتغل كتير، بُكره يكون في بنت تانية.

عَطتني باقي حسابي ومشيت، قضّيت اليوم وأنا مُش عارفة أقول لأمي إيه سبب إني مشيت من الشُّغل، لكن اكتفيت بإني قولتلها إن صاحبة البوتيك قالتلي أشوف مصلحتي في مكان تاني؛ لأنّي بوَّظت فستان غالي، وإنّي في أقرب فرصة هلاقي شُغل مكانه.

لكن زَعل أمّي مطوّلش، لأن تاني يوم باب البيت خبَّط، ولمّا أمّي فَتَحت لقينا “دلال” الخاطبة داخلة علينا، وهي بتقولّها:

-أنا عاوزة حلاوتي بقى، جايبة عريس عشان “إحسان” ميترفِضش ولا فيه عيب.

وساعتها أمّي قالتلها:

-خَبر حلو تستاهلي عليه الحلاوة.

في الليلة دي، كان العريس وأهله كانوا موجودين، أمي طلبت من خالي يكون موجود، قعد معاهم واتكلّموا وطبعًا كُنت في أوضتي، انتظرت لِحَد ما خالي نَده عليّا، خرجت عشان أسلّم عليهم، قَعدت معاهم وأنا مَكسوفة، أمّه رحَّبت بيّا هي وأبوه، وهو بدأ يتكلّم معايا، وساعتها قالّي:

-إن شاء الله تكوني مبسوطة معايا، أنا اسمي “مُنير”!

الاسم خلَّى جسمي يتلبِّش، مبقِتش عارفة أنطَق لمّا سمِعت وهو بيقول نفس الاسم، هو مُمكن يكون تشابه أسماء لأن الشَّكل مُختلف، لكن الغريبة، إنّي لقيت نفسي لابسة نفس الفستان اللي لقيته في الشَّنطة على سريري، مُش فاكرة ازّاي ولا إمتى لبِست الفُستان دَه، لأنّي لمّا كُنت منتظرة في أوضتي، كُنت لابسه فُستان غيره.

***

بالمناسبة، أنا بحكي اللي حصل معايا، بَعد ما اتجوّزت “منير” اللي اتقدّملي، ورجِعت تاني أشتَغل في بوتيك مدام “عفاف”، وبَعد ما بقى معايا طِفل صغير، نسخة طبقَ الأصل من “منير” اللي اشترى الفستان.

تمَّت…

الكاتب

  • محمد عبدالرحمن شحاتة، مصر، مواليد 1989، حاصل على بكالريوس تجارة قسم محاسبة. يكتب الرواية والشِّعر الفصيح. صدر له أكوديسفا "رواية"، الموقع الأسود "رواية"، حفرة جهنم "رواية" كيد ساحر "رواية"، ليلة في عَرَقَة "مجموعة قصصية"، السّمنار "مجموعة قصصية"، كارما "سلسلة حلقات الموقع الأسود الإليكترونية-الموسم الأول". كما صدر له خمسة دواوين من الشعر الفصيح. نُشرت له عديد من القصص القصيرة والمقالات والقصائد في عديد من الصحف والمجلّات.. حائز على جائزة الإبداع  عام 2012- المركز الأول.

شارك هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *