3 أيام مع جدّي
أحيانًا بيكون مفيش قدَّامنا غير خيار واحد، الحياة بتِجبرنا عليه، زي ما حَصل معايا وكُنت مُضطَر أروح أقضي 3 أيام مع جدّي؛ عشان آخد بالي منّه لأنه قَعيد وصحّته كانت متدهورة.
دَه كان طلب أبويا منّي، لمّا دخل أوضتي وكُنت قاعِد بذاكر وقالّي:
-عاوز منّك طلب يا “سامح”.
رفَعت وشّي من الكِتاب وقولتله:
-تَحت أمرَك.
-جدّك تعبان جدًا، وأنا ومامتك قولنا تروح تقعد معاه وتاخُد بالَك منّه.
فكّرت شويّة قبل ما أقولّه:
-والمذاكرة اللي ورايا؟
-خُد كُتبَك معاك، يادوب 3 أيام هخلص شُغل ونيجي على هناك.
تاني يوم الصُّبح كُنت مهجّز شنطة فيها شويّة هدوم، ومعاهم الكُتب اللي مِحتاجها، وبَعد ما فَطرت مع أبويا وأمّي، أخدت حاجتي وروحت على شقة جدّي.
الحقيقة استَقبِلني استقبال كويّس، كان مَبسوط إنه هيلاقي وَنَس، غير إنّي كُنت شايف إنّها فُرصة عشان ألاقي وقت أكتر للمذاكرة، ماهو جدّي هيحتاج منّي إيه غير إنّي أعطيه علاجه مثلًا.
قعدت مع جدّي شويّة، اتكلّمنا وسألني عن أخباري وأخبار دراستي، لحد ما جِه ميعاد الغَدا، ساعتها أكلت معاه وأخد علاجه ونام، وخرجت عشان أروح الأوضة اللي هقعد فيها، كُنت مطبّق من امبارح ومنِمتش، حسّيت دِماغي تقيلة؛ فقولت أريّح شوية، مدّدت جِسمي على السرير بعد ما طفيت نور الأوضة، غمَّضت عيني ونِمت، ورغم إنّنا في الصيف لكن الجَو كان لَطيف، مكَنش يستدعي مروحة ولا تكييف، كان كفاية عليّا أوي شبّاك الأوضة المفتوح.
النوم أخدني، لكن بعد شوية لقيت إيد بتهزّني في كِتفي، مقدِرتش أفتَح عيني من الخوف، لأن جِدّي مُش بيمشي، فَمُستحيل تكون دي إيده، إحساس وَصلني إن دَه حِلم، وإني صحيت منّه ولسّه حاسِس بآثاره، قلبي اطَّمِّن شوية، لكن الهزّة رِجعت من تاني، في المرة دي فَتحت عيني وأنا مرعوب، واللي خلَّاني أترِعب أكتر، هو إن جِدّي اللي مُش بيمشي كان واقِف جَنبي بيهزّني في كِتفي.
حاولت أقنع نفسي إنّي لسّه بَحلم، لكن للأسف مكَنش حِلم، كُنت بكامِل وعيي وأنا شايف جدّي واقِف جنبي، وبيبُصّلي زي ما يكون عاوز منّي حاجة، حسّيت أنفاسي اتكَتمِت جوّايا لمّا عطاني ضَهره، وبدأ يتحرَّك ناحية باب الأوضة، ولمّا خرَج كان فضولي هيموّتني إني أعرف إيه الحكاية، على عكس الخوف اللي كان جوّايا وقتها، لقيت نفسي بقوم من السرير وبَمشي وراه، كان رايح ناحية المَطبخ، وبالمناسبة دَه عكس الاتجاه اللي أوضته فيه، مكُنتش بفكّر في حاجة غير إنّه ازّاي ماشي قدّامي وهو أصلًا قَعيد، لكن في اللحظة اللي كُنت شايفه فيها رايح ناحية المَطبخ، سِمعت صوت السرير في أوضته بيتحرَّك.
بَلعت ريقي ووقَفت في مكاني، فضولي شدِّني لناحية تانية خالِص، لمّا سألت نفسي هو إيه اللي مُمكن يحرّك السرير ومَفيش حَد فوقه؟
رِجلي أخدتني للأوضة، اللي كان بابها مِوارِب، وقفت قدّامه شويّة لِحَد ما سمِعت السرير بيتحرَّك تاني، ساعتها مدّيت إيدي وزقّيت الباب، وبصّيت بدماغي في الأوضة، في اللحظة دي؛ حسّيت إن جِسمي اتحوّل للوح تَلج، لمّا لقيت جِدّي نايم على السرير، وإن الحركة دي كانت نتيجة لإنّه بيحاول يتقلّب.
مكُنتش عارف أصدّق إيه بالظبط، جدّي اللي صحّاني من شوية واللي هو أصلًا قَعيد لكن كان ماشي على رجليه ورايح المَطبخ؟ ولا جدّي اللي نايم على السرير في أوضته؟
حسّيت إن في حاجة بتزاوِلني، لمّا سمِعت صوت خَبط في المَطبخ، ساعتها سيبت الأوضة وروحت على هناك، كُنت بقدِّم رِجل وبأخَّر التانية، ماهو مكُنتش عارف إيه اللي منتظِرني هناك، لكن كُل ما كُنت بقرّب كانت في حاجة بتحصل، صوت حنفية المايّه اتفتحت، حاجة بتخبَّط في الحِلل، ولمّا دخلت المَطبخ لقيته زي ما يكون كان فيه حد، الحِلل متحرَّكة من مكانها والمايه نازله في الحوض، وجدّي اللي كان داخل قدّامي من شوية مالوش أثر، بقيت واقِف مرعوب، قفلت الحنفية وخرجت، وأوّل حاجة عملتها إنّي بصّيت في أوضة جدّي، لقيته نايم زي ما هو، ودَه اللي خلَّاني أمسِك تليفوني وأتِّصل بأبويا، ولمّا رَد عليّا قولتله:
-أنا مُش عاوِز أقعد هِنا.
ساعتها أبويا انفَعل عليّا، وقالّي:
-اصبُر يومين يا “حسام”، هخلَّص اللي ورايا وأجيب أمَّك ونقعد كلّنا عندك.
كُنت عاوِز أقولّه على اللي حَصل، لكن مين هيصدّق اللي هقوله، دا مُش بعيد يقولّي إني بهَلوِس أو بتعاطى حاجة، اضطرّيت أتحمّل اليومين، اللي دايمًا كُنت بشوف فيهم جدّي بيتحرَّك قدّامي رايح جاي، بدون ما يكلِّمني، في نفس اللحظة اللي بيكون نايم فيها في سريره.
وفي اليوم التالت بالليل، بَعد ما عشّيت جدّي وعطيته علاجه، دخلت الأوضة اللي أنا قاعِد فيها وقفلت عليّا الباب، كُنت بشغِل نفسي في المذاكرة، ماهو اللي بشوفه كان فوق طاقتي، ولمّا خلَّصت مذاكرة حاولت أنام، طَفيت نور الأوضة واتمدِّدت على السرير، وساعِتها حسّيت بحاجة بدأت تنقَّط فوق وشّي، استغربت النُّقَط دي منين، أكيد مَفيش تسريب من السَّقف، قومت من السرير وفتَحت نور الأوضة، واتفاجئت ببُقعة دَم كبيرة على المخدّة، مُش عارف أوصِف إحساس الخضَّة اللي كُنت فيها وأنا بَسأل نَفسي إيه الدَّم دَه، بَس بعد ثواني اكتشَفت إن وشّي مَبلول، مدّيت إيدي ناحيته عشان أشوف إيه اللي على وشّي، ولمّا بصّيت لإيدي اكتَشفت إن عليها دَم، كُنت واقِف وحاسس إنّي من غير رِجلين تشيلني، قرَّبت من مِراية في الحيطة اللي جَنب السرير، ولمّا بصّيت فيها لقيت إن وشّي عليه دَم فعلًا، رِجعت لِورا وأنا بَشهَق من الرعب اللي جوّايا، بصّيت ناحية السرير، واكتشَفت إن لسّه في نُقَط دَم بتنزِل على المخدّة، ولمّا بصّيت في السَّقف؛ لقيت وِش جدي ظاهر فيه، وكان الدَّم بينقَّط من عينيه على المخدّة!
وقَعت في الأرض من اللي شوفته، مكَنش قدَّامي غير إنّي أغمَّض عيني، حطّيت راسي بين رِجلي وحاولت أتحكّم في نَفسي، لكن بَعد شويّة الإحساس اللي كان على وشّي راح، ساعتها رَفعت راسي وفتَحت عيني، أوّل حاجة بصّيت ناحيتها هي المخدّة، اللي كان مفيش عليها ولا نقطة دَم، ولا السَّقف كان فيه حاجة.
بعد اللي حَصل دَه مَبقِتش قادر أتحمّل، دوَّرت على تليفوني وكلّمت أبويا، ولمّا رَد عليّا في المرَّة دي قولتله:
-ما هو يا تيجي، يا أنا اللي هاجي حالًا.
كان ردّه عَنيف عليّا كالعادة وهو بيقولّي:
-ما تِستَرجِل يا “سامِح”، هو الواحِد ما يعتمِدش عليك في حاجة؟ خلاص كلّها كام ساعة والنهار يطلع، وأكون أنا وأمَّك عندك.
وبعدَها قَفَل المكالمة، قضيت الليلة في الأوضة مَخرجتش، مكُنتش بسمع غير صوت السرير اللي نايم عليه جدّي، وصوت حَد ماشي في الشَّقة، ومع كل صوت كُنت بَسمعه؛ كُنت بَحِس إنّ قلبي بيُقع في رجلي.
صوت جَرس باب الشَّقة صحّاني، قومت مَفزوع، ماهو ده أقل رد فعل على أي صوت بقيت بَسمعه، لكن افتَكرت إن أبويا وأمّي جايين، خرجت من الأوضة وروحت على باب الشَّقة، ولمّا بصّيت من العين السحرية؛ شوفتهم واقفين، ما صدَّقت إنّي لقيتهم قدّامي قومت فاتِح الباب، وأوّل حاجة أبويا قالهالي:
-أهو يا سيدي جينا، دا أنت حتّة عيل مُش قادر تتحمّل يومين.
ماهو لو كان عرِف اللي بيجرى معايا، مكَنش قالي الكلمتين اللي مالهومش لازمة دول، لكن مرضِتش أتكلّم، ما صدّقت إنّهم موجودين ومبقِتش أدخل أوضة جدّي، اللي حَصل خلَّاني مرعوب منّه، كُنت بتعامل معاه من بعيد لبعيد، لكن دلوقت تجنَّبته خالص، ومَبقِتش أخرج من أوضتي، لحد ما كُنت قاعد بالليل بذاكر، ولقيت باب أوضتي بيخبَّط، وساعتها لقيت أبويا داخل وجِسمه بيرتِعش، وشّه كان مخطوف والدَّم هَربان منّه، وأوّل ما شافني لقيته جاي يقعد جَنبي، ولقيت نفسي بسأله:
-إيه اللي حَصل؟
أخد وقت طويل لحد ما جِسمه بدأ يِهدا والرَّعشة قلَّت، كُنت بكرَّر عليه السؤال لِحَد ما قالّي:
-جدّك، لقيته ماشي في الصالة، شوفته وأنا خارج من الأوضة رايح الحمّام.
أنا مكُنتِش متفاجئ ولا حاجة، لأنّي شوفت دَه بنفسي، لكن حبّيت أعرَف منه أكتر هو شاف إيه، فقولتله:
-ازّاي جدّي ماشي وهو قَعيد؟
-مُش هي دي المُشكلة، المهم إني في اللحظة دي؛ شوفته نايم على السرير في أوضته عادي.
عَملت نفسي مَذهول ومُش مصدَّق اللي بيقوله، فقولتله:
-ازّاي اللي أنت بتقوله ده؟!
-ده اللي حَصل، يعني هَضحك عليك؟
مُش عارف ليه حسّيت إن أبويا عايز يمشي من الشَّقة، في نفس الوقت اللي مكَنش ينفع فيه يسيب أبوه في الحالة دي، كلامه بيقول كِدَه وهو بيتكلّم معايا، مكُنّاش عارفين إيه السِّر في جدّي، أو ليه شوفته أنا وأبويا في الحالة دي، أو إيه السبب إن يحصل معانا كل ده.
في الليلة دي مَنِمناش، ولمّا سألته عن أمي قالّي إنّها نايمة، لأنَّها كانت تعبانة طول اليوم، وإنها تعبت أكتر لمّا جهّزت أكل لجدّي، عشان كِدَه رايحة في سابِع نومة.
ولمّا النهار طِلِع، سِمعت صوت باب الأوضة اللي فيها أمّي بيتفتح، بصّيت ناحية أبويا ولقيته بادئ يروح في النوم، عشان كِدَه سيبته مكانه وقولت أطلع أشوف أمّي، روحت ناحية أوضتها وبصّيت عليها، لقيتها نايمة صاحية على السرير، صبَّحت عليها وكانت ملاحظة إنّ تصرّفاتي غريبة، يمكِن لهجتي متوتّرة أو وشّي باين عليه حاجة، وهي أم بقى هتلاحظ الحاجات دي ببساطة، عشان كِدَه سألتني:
-مالك يا “سامِح” في حاجة؟
اتردِّدت شوية وقولتلها:
-لا أنا تَمام زي الفل.
وسيبتها وروحت على المطبخ، الصداع كان مخلّيني مُش شايف قدّامي، قولت أعمل كوبّاية قهوة لحد ما أمي تقوم، لكن لسّه بحُط رِجلي في المَطبخ، ولقيت أمّي اللي سايبها في الأوضة حالًا واقفة قدّام البوتاجاز!
كانت بتبُصِّلي بصّة غريبة وهي ماسكة كنكة القهوة في إيدها، وسألتني من غير عينها ما تنزل من عليّا وقالتلي:
-البُن بتاعك إيه يا “سامِح”؟
محسّتش بنفسي غير وأنا بَجري من المَطبخ، رجعت على أوضتي وصحّيت أبويا اللي كان نام، مقدِرتش أحكيله حاجة، قَبل كِدَه جدّي ودلوقت أمّي، زي ما تكون الشَّقة فيها لعنة، لكن حكاية جدّي أبويا شافها زي ما أنا شوفتها، ودلوقت أمّي، مكُنتش عارف إيه اللي بيحصل بالظَّبط، صحّيت أبويا من النوم، وساعتها اتضايق إنّي قلقت نومه، مُش عارف ازّاي جاله قَلب ينام بعد اللي شافه، لكن الواحد أحيانا النوم بيغلبه من التَّعب مهما كان اللي حصل معاه، وساعتها قالي:
-أنت مُش شايفني نايم؟
مردّتش عليه، لكنه سابني وخرج من الأوضة، وبعد شوية كُنت سامع صوته بيكلّم أمّي في الصالة، كانت بتحضّر فِطار والدُّنيا ماشية عادي، وبتقوله إنّها فطّرت جدي وأخد علاجه، لكن أنا كُنت مرعوب من جوّايا، حتّى لمّا أمي جت الأوضة عندي عشان تقولّي على الفِطار، بصّيت ناحيتها بدون ما أرُد عليها، هي نفسها استغربتني، بَس أنا اكتفيت برَد الفِعل دَه، مكُنتش أقدَر أقولّها حاجة.
مكُنتِش عارف برضه أبويا قالّها على حكاية جدّي ولا لأ، لكن غالبًا هي متعرفش، دي لو شَمَّت خَبر هتسيب الشقة وتمشي، مُش هتقعد فيها لحظة، إلا بقى لو هي بنفسها شافت اللي إحنا شوفناه.
في نفس الليلة، كُنت قاعد كالعادة بذاكر، وللمرة التانية لقيت أبويا داخل عليّا الأوضة وهو بيرتِعش، انتظرته يقولّي إنه شاف جدّي ماشي تاني، لكن اتفاجئت بإنه بيقولّي:
-كُنت في المَطبخ مع أمّك بتكلّم معاها وهي بتعمل العَشا، وافتَكرت تليفون مهم كان لازم أعمله، رجعت الأوضة عشان أجيب التليفون؛ ولقيت أمّك اللي سبتها في المطبخ قاعدة بتسرَّح قدّام مراية السرَّاحة، وكان وشّها هيكل عظمي!
الحكاية اتعقَّدت جدًا، ليه أمّي وجدّي بيحصل معاهم كِدَه، ده اللي كُنت بفكَّر فيه وأنا بسمعه، وبعد ما خلَّص قولتله:
-أنت قولت لأمي حاجة؟
-أكيد لأ، عاوزني أقولّها إيه يعني؟
في اللحظة دي قرَّرت أحكيله، بما إنّه شاف نفس اللي شوفته، يعني مَفيش مجال إنه يقول عنّي بهلوس أو بتعاطى أو بخرَّف، وساعتها حكيتله كُل حاجة، وإن إصراري اليومين اللي فاتوا على إنّي أسيب الشَّقة، هو إنّي كُنت بشوف جِدّي القَعيد بيمشي، في نفس الوقت اللي بيكون فيه نايم فيه على السرير، دا غير طبعًا إنّي قولتله على نفس اللي شافه من أمّي.
***
-بالشِّفا.
كانت أوّل مرَّة أشوفها قدّامي، عشان كِدَه سألتها:
-أنتِ مين؟
ابتسمِت وقالت:
-طالما سألتني أنتِ مين، يبقى حمدّالله على سلامتك.
-هو إيه اللي حمدالله على سلامتك، أنتِ بتعملي إيه هِنا؟
حطَّت علبة الدَّوا اللي في إيدها وقالتلي:
-باختصار أنا المُمرّضة اللي بتابع حالتك وحالة والدك.
قومت من مكاني، واتفاجئت إنّي لابس هدوم أوّل مرّة أشوفها وقولتلها:
-حالتي وحالة والدي! تٌقصدي إيه؟
-مُمكن تِهدا عشان تِفهم كُل حاجة؟
في اللحظة دي؛ لقيت أبويا خارج من أوضته وهو لابِس تريننج، وهو مُش من عادته إنه يلبس الاستايل دَه، دا غير إنّنا في شقّة جدّي، ومعرفش إحنا ليه قاعدين هِنا، وفين جدّي القَعيد وأمي، بقيت ألِف في الشَّقة زي المجنون، دخلت أوضة جدّي، وشوفت الكُرسي المتحرّك بتاعه مَلموم ومحطوط فوق السرير، وملقِتش أمي، وساعتها الممرضة شدّتني من إيدي وقالتلي:
-مُمكن تهدا وتِمسك أعصابك وأنا هَفَهّمك؟
مكَنش قدّامي غير إني أسمع كلامها عشان أفهم، وساعتها قالتلي:
-في ليلة عربيات الإسعاف وقفت قدّام المستشفى، وعرفنا إن في عربية اتقلبِت على الطريق، كان فيها واحد قعيد وواحدة سِت وجوزها وابنهم، اللي هو أنت، للأسف مكَنش عايش غير أنت ووالدك، جدّك ووالدِتك كانوا جايين المستشفى والسِّر الإلهي طالع منهم، الحادثة كانت سبب إن أنت ووالدَك تفقدوا الذاكرة، مُش هتفتكروا أي حاجة بعدها، عشان كِدَه أنت مُش فاكرني برغم إنّي بقوم بالمهمة دي من 4 سنين، لكن الذاكرة واقفة معاكم لحد آخر حاجة حصلت قبل الحادثة، لكن مُش بتحفظ أي حاجة بعدها، بتنسى الأشخاص والأحداث في أقل من ثواني، دَه للأسف اللي حَصل، لكن حالتكم دي ممكن الذاكرة تِرجع فيها في أي لحظة، وطالما أنت استوعبت وجودي يعني ذاكرتك رِجعت، وسألتني أنا مين، لكن للأسف وارِد جدًا إن حالة والدك تفضل زي ما هي، مُمكن السِّن ميساعدوش إن الذاكرة ترجع.
مكُنتش مستوعب اللي حَصل، لكنل لقيتني بقولّها:
-يعني تُقصدي إن جدّي وأمّي…
مقدرتش أكمّل الكلمة، لكن لقيتها بتهز راسها في حُزن وبتقولّي:
-أيون، تِعيش أنت.
كُنت بقول ياريت الذاكرة مكَنِتش رِجعتلي، عشان أشوف أبويا في الحالة دي، وأعرف إن أمّي وجدّي مبقاش لهم وجود في الحياة، مصدّقتش غير لمّا الممرضة فَتحت درفة الدولاب وطلَّعت الهدوم اللي كُنّا لابسينها في الحادثة، ورغم إنها مغسولة لكن كان لسه فيها آثار دَم، قضّيت ساعات طويلة مُش مستوعب الحكاية، لكن لقيتني بسألها وبقولّها:
-وهو مين اللي بيدفعلِك تَمن خدمتنا الفترة اللي فاتِت دي؟
-واحد قريبكم، وبييجي من وقت للتاني يطَّمن عليكم.
افتكرت ابن عم أبويا، مكَنش ابن عمه وبس، دا كان صديقه جدًا، في اللحظة دي سمعت الباب بيخبَّط، ولقيت الممرّضة بتقولي:
-أهو وَصل.
الوقت اللي قَعده معايا كان بيواسيني فيه، وقالي إن الحكاية حصلت من 4 سنين وأوان الحُزن فات، كان بيهوّن عليا لكن كُنت لسّه تحت تأثير الصدمة، وبعد ما مِشي، الممرّضة طلبت منّي إنّها تروَّح، وإن في ممرّض بيبات معانا بالليل لأنها متنفعش تبات، وإنها هتمشي وهي مطَّمنة طالما ذاكرتي رجعتلي.
بعد شوية دخل مُمرّض وكان معاه مفتاح الشَّقة، كان مبسوط إن ذاكرتي رِجعت، كان مُدرِك للحالة اللي كُنت فيها، عشان كِدَه كان بيتكلّم معايا وبيواسيني، كانت الهدوم اللي في الحادثة لسّه قدّامي، بآثار الدَّم اللي فيها، وعرفت منّه إن قريبنا جابنا على شقّة جدّي لأنّه كان معاه مفتاحها، وإننا أصلًا كنا قاعدين فيها مع جدّي قبل الحادثة، ومن ساعتها وإحنا هنا، لكن كان كُل تفكيري، هو ليه كُنت بشوف أمي وجدّي في الحالة دي؟!
لقيت نفسي بَحكي للممرّض، اللي قالّي إن عقلي الباطن أكيد له يد في الحكاية، وإنّ لحظة فقدان الذاكرة غالبًا مبيكونش في إحساس بالزَّمن، ويمكن اللي شوفته ده كان بيتكرَّر معايا يوميًّا، وأنا كُنت فاكر إنّه حصل مرّة وخلاص. وإن لازِم أتخلَّص من الهدوم اللي كانت في الحادثة، لأن دَم اللي بيموت في حادثة مُش بيكون كويّس في المكان.
دخلت أوضتي بعد ما قعدت شوية مع أبويا اللي كل كلامه ليّا عن المذاكرة، كُنت فاهِم طبعًا إن ذاكرته واقفة عند حاجة معينة، لكن أنا مَرمي هنا من 4 سنين مروحتش جامعتي، ولا أعرف مصيري إيه لسّه، وبعد ما الممرّض عطاه علاجه دخل يريّح شوية، وأنا سيبت أبويا ودخلت على الأوضة اللي بقعد فيها، الدُّنيا كانت هادية، لكن بعد شويّة وقت لقيت أبويا بيكلّم أمّي وبيقولّها:
-حاسبي وقَّعتي الشاي فوقي.
كُنت عارف إنّ ذاكرته واقفة لحد قبل ما أمي تموت، عشان كِدَه خرجت أطَّمن عليه.
دي كانت أوّل ليلة ليّا بعد ما ذاكرتي رِجعت، كُنت فاكِر إني بشوف الأحداث اللي فاتت لأني كُنت تحت تأثير المرض بَس، لكن اعتقادي كان غلط، لمّا خرَجت أشوف أبويا لقيت جدّي ماشي في الصالة وهي ضلمة، جِسمي اتهَز من الخوف، فضلت باصِص ناحيته لحد ما دَخل أوضته، دخلت وراه وأنا عارف إنه مُش جدّي، مشيت وراه والخوف مكتّفني، ولما بصّيت في أوضته لقيتها فاضية، في الوقت دَه كان أبويا لسّه بيكلّم أمي، اللي هي كمان ميّته، كان بيلوم عليها إنّها وقَّعت الشاي على هدومه، رجعت على أوضة أبويا، ولمّا شوفته لقيت في شاي واقع على هدومه فعلًا، وأمّي كانت واقفة جَنبه ماسكة كوبّاية شاي فاضية.
مكَنش في قدّامي غير إنّي أصحّي الممرض، حكيتله عن اللي شوفته، وساعتها قالّي إنه بيشوف برضُه حاجات وهو بايت هِنا، وكان متأكّد إن ده بسبب هدوم الحادثة والدَّم اللي عليها وإن محدّش اتخلَّص منها.
قرَّرت أرمي الهدوم، أخدتها وخرجت أوّل ما النهار طِلع، كُنت فاكِر إنّي هلاقي الشارع زي ما هو في ذاكرتي، لكن لقيته متغيّر، فات 4 سنين برضه مُش متذكّر فيهم أي حاجة، اتخلَّصت من الهدوم جَنب صندوق زبالة كان حد مولّع فيه، رَميتها في النار ورجعت على شقّة جدّي من تاني، ساعتها بَس افتكرت آخر حاجة حصلت قبل الحادثة، لمّا أبويا طلب مني أقعد مع جدّي 3 أيام؛ لحد ما يخلّص شغل وراه وييجوا يقعدوا معانا، لكن بَعدها العربية اتقلبت بِنا وإحنا رايحين نِكشف على جدي وحصل اللي حصل.
لما رِجعت كانت الممرّضة جَت تستلم نبطشيّتها في ميعادها والممرّض روَّح، كُنت مقضّي اليوم ساكِت مبتكلّمش، واليوم فات والنبطشيات اتبدّلت، وبعد ما الممرض عمل اللي عليه مع أبويا ودخل يرتاح شوية، لقيت أبويا بيتكلم مع أمي من تاني، كُنت فاكِر إن الحكاية انتَهت لمّا الهدوم اترَمت واتحرقت، لكن لمّا خرجت من أوضتي؛ لقيت جدّي واقِف في أوضته، وأمّي واقفة جَنب أبويا اللي قاعد على الكنبة في الصالة، دلوقت بَس عرفت إنّي خرجت من دوامة فقدان الذاكرة؛ عشان أدخل في دوامة الشقة اللي سكنتها أرواح أمّي وجدّي!
***
اترك تعليقاً