أسرار الكتابة الشعرية

الوصف

مِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكَان أَنْ تُؤَلِّفَ كِتَاباً وتدَّعِي بِأَنَّكَ تُؤَسِّس فِيهِ لِمَجْمُوعَة مِنَ الْمَفَاهِيمِ الَّتِي لَمْ تَجِدْ لهَا أَبَداً صِيغَةً نِهَائِيَّةً أَوْ تَعْرِيفاً شَامِلاً مُنْذُ بَدْءِ التَّارِيخ، الْأَمْرُ هُنَا يَتَعَلَّقُ بِالأَدَب، وَالْأَدَبُ يَتَطَوَّر، حَتَّى الْبَيْتُ الشِّعْرِيُّ الْوَاحِدُ قَدْ تَفْهَمُهُ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَة بِأَشْكَال مُخْتَلِفَة، فَكَيْفَ بي أَنْ أَجِدَ سَبِيلاً إِلَى تَحْدِيدِ مَفَاهِيمَ كَبِيرَةٍ كَمَفْهُوم الْأَدَب وَمَفْهُوم الشَّاعِر وَمَفْهُوم الصُّورَةِ الشِّعْرِيَّةِ وَغَيْرِهَا. لِهَذَا فَإِنَّ مَا سَأُعلِنُ عَنْه في هذه السِّيرَة الإبداعية لَيْسَ تَنْظِيراً لِأَفْكَار جَدِيدَة، وَلَا تَشْكِيكًا فِي أَفْكَار قَدِيمَة، وَلَكِنَّهُ إِعَادَةُ رَسْمٍ لِخَريطَة الشعر بأشكاله وأغراضه وتاريخه وتَحَوُّلَاتِه حَسَبَ تَجرِبَتِي المُتَوَاضِعَة في الحفظ والنظم وحتى في غِوَايَةِ النَّقْدِ، لِذَلِك، فَمَا اتَّفَقْنَا عَلَيه فَهُو مَنْسُوبٌ إليّ، ومَا لَمْ نَتَّفِق عَلَيْه فَهُوَ مَرْدُود عَلَيّ، لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ مُنْذ الْأَوَّل أَمْلِكُ الحَقَّ فِي رَدْعِ دَغْدَغَاتِ عَقْلِي وَهَوَاجِسِي وَتَسَاؤُلَاتِي الَّتِي قَدْ تَبْدُو لَكَ كَمِثْلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَرَى الله، فَتَضْحَك عَلَيْه، أَوْ تَعْبسُ فِي وَجْهِه، أَوْ تَدْفَعُهُ بَعِيداً، أَوْ تَدُورُ عَنْهُ بِوَجْهِك، أَوْ تَصْفَعه مُدَّعِياً أَنَّ إِيمَانَكَ بِالشِّعْرِ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِه بِنَفْسِه.
الشَّاعِرُ مَجْنُون، وَالْمَجْنُونُ قَدْ يُؤخَذُ مِنْهُ، لَكِن لَا يُرَدُّ عَلَيْه.