صانع الأدوات

صانع الأدوات

أذهب إلى صانع الأدوات من جديد!

يستقبلني كعادته بإبتسامة ودودة إلا أنني طالما كنت لا أرتاح لها لسبب لا أفهمه!

يعلم كلانا أنني لا أزور دكانه، إلا و قد أتيت أجر أذيال ثوب الخيبة!

و هو الأمر الذي يكون قد توقعه كل مرة، حذرني منه، ثم طاوعني على أي حال في مطلبي منه إرضاءا لي و انصياعا لعنادي!

هكذا صار ذلك صانع الأدوات هو من ألجأ له دونا عن غيره كلما عجزت أدواتي عن المواجهة، فهو الوحيد الذي يسمعني بلا كلل، ينفذ مطالبي كما أتخيلها تماما بالرغم من تحفظه، و هو بالرغم من ابتسامته الغامضة يطاوعني بصبر و تفهم، فيصنع لي ما أصف له من أدوات أبتكرها بخيالي الجامح لمواجهة الحياة!

أرد على ابتسامته بمكر في محاولة لإفشاء سر مدلولها عسى يطمئن لها قلبي الموجس ريبة:

لماذا تطاوعني كل مرة إذن، إن كنت ترى في مطلبي سفاهة؟!

ليس السبب مادي، هذا أكيد، فإنك تصر على ألا تتقاضى أجرا نظير الأدوات التي تصنعها، فقل لي بأمانة، ماذا يدفعك لتكلف نفسك عناء صنع أدواتي بتلك المهارة، حقا إنك تهدر مهارتك و وقتك معي بلا جدوى!

اتسعت إبتسامته، و رد علي بنبرة حاول أن تخفي غبطته و لكنه لم ينجح تماما في السيطر عليها:

– أبدا، دعيني أخبرك شيئا عني، كل مرة تتكلمين و تشرحين لي معاناتك كي تعينني على تصميم و تنفيذ الأداة المناسبة لكي، و لكن لم يسبق أن سألتيني أبدا هذا السؤال، و لقد انتظرته طويلا منك، و كان عجبي كل مرة أنك لم تسألي!

شعرت بخزي شديد من كلامه، و انتبهت أنني بالفعل كنت دائمة الانشغال بأمري أنا، و احتياجاتي من الأدوات التي هو بارع في صنعها، و اكتفيت له بالأصالة عن نفسي و بالنيابة عنه، بالتقدير و الاعتراف بكفاءته التي أكرر له دائما أنه لا يضاهيها أي محترف آخر في مجاله.

هنا توقفت في ارتباك شديد!

لست أبدا من الشخصيات الأنانية، و لكني موسوسة، بل مهووسة بتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، و الالتزام التام بمدلولاتها و تبعات تلك المدلولات!

دفعني ذلك للوقوف عند رده كثيرا، فقد شعرت أنني على شفا الإختيار بين إعتذار صادق عن ذنب اقترفته بالفعل، و بين ابتلاع خدعة تساق إلي لم يرتاح لها قلبي!

بدا لي في رده أنه إنما كان يساعدني إنتظارا لتلك اللحظة!

و شعرت أنه استدرجني لها بتلك الإبتسامة المبهمة المعتادة، و عليه فقد قلت له بنبرة هادئة و مازحة، بعد تلك الوقفة الوجيزة مع نفسي:

– عفوا، لا أعتقد أن هذا ليس خطأي، لقد لجأت لك طالبة خدمة محددة بوضوح شديد، و لقد نفذتها طواعية و بكل إخلاص، و كان لك مني لذلك كل الامتنان، لم نتفق أبدا على مقابل!

بل أنني أتذكر جيدا أنك أعلنت من تلقاء نفسك زهدك في أي مقابل!

هل أخطأت إذ صدقت أن أحدا يمكنه أن يقدم المساعدة بلا مقابل؟

ربما، أستطيع أن أتفهم ذلك!

و لكني إن فعلت، فعذري أنني أنا شخصيا أفعل ذلك كلما أتيح لي، و أجعل مقابل ذلك “التعلم من تجارب الآخرين”، و هذا ما ظننتك تفعله!

كنت قبل هذا التصريح على أتم الاستعداد لتقديم ما أستطيع مساعدته به، و لكنه هوس تسمية الأشياء بإسمها هو ما دفعني لتلك المصارحة ليس إلا، و لم تكن نيتي التنصل من مناقشته، بل  هو منهجي الصادق في تعميق أي تواصل و ترقيته إلى الدائرة الأقرب ودا.

ربما كان كلامي حادا، لا أعلم!

و لكنني على يقين أنه ربما كان حاد الضي، و ليس حاد النصل، ذلك أنني حرصت على أن أغلفه بود حقيقي و صادق!

لماذا جُرح صانع الأدوات؟!

لا أدري!

و لكنني أعلم جيدا أنه لن يرحب بصنع أي أدوات أخرى لي، رأيت ذلك في نظرة لومه، و انصرافه، و نبرة صوته التي تحولت من ود لغيظ مكظوم و سخرية.

لملمت ما أتيت به له من الأدوات التي صنعها لي؛ السهم، الرمح، الجناح، القناع  المنبه، النظارة المكبرة، القلم، الدرع، و المرآة!

أنتبهت في تلك اللحظة أنني كنت أوجه المرآة في عينيه دون قصد مني على مدى حواري الأخير معه؛ تلك التي صنعها بيديه، و نصحني أن أصقلها جيدا كي أرى دواخلي بوضوح!

لملمت كل تلك الأدوات في ذيل ثوب الخيبة، و الذي زاد طوله شبرا إضافيا بتلك الخيبة الجديدة.

غادرت دكانه، بينما أنا أتعثر في ذلك الثوب الذي أشعر أنه سوف يكفيني على وجههي يوما ما!

انصرفت دون أن أحصل على إجابة سؤالي،

و لكني عرفتها على أي حال!

و عرفت أن لها وجهان؛ وجه كتابة، حفرته أنا بالعوز، و وجه لملك توجهُ هو بمخيلته!

تركت له تلك العملة ذات الوجهان كمقابل عادل لما صنعه لي، فلم أكن أبدا لأخسفه حقه!

الكاتب

شارك هذا المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *