مدينة تلتحف الفضاء “زلزال المغرب”

مدينة تلتحف الفضاء “زلزال المغرب”

في مشهد لا يبعد هو الآخر عن الزلزال الذي حلّ بجلّ المناطق القريبة من بؤرته وأحال دورها خرابا، وشرّد من بقي على قيد الحياة، تُواصل منطقة طاطا في الجنوب الشرقي استغاثتها دون مُجيب، المنطقة التي ظلّت لفترات طويلة تصرخ لكنّ جاثوما كان يمنع صراخها أن يصل فيبقى حبيسا في الأنفاس، واصلت صرختها لكن هذه المرة بشكل مدوي لتستفيق في صباح التاسع من شهر أيلول على ذات الجاثوم، ويكتشف ساكنيها أن كلّ العويل الذي أطلقوه ليلة الكارثة ظلّ حبيس حناجرهم مرّة أخرى دون أن يسمعه أحد.
السّاكنة التي دأبت على سماع ذات الجملة الرّنانة والعذبة في الأذن، ” ناس شرق الله يعمرها دار” أضحى أغلبهم منذ الأسبوع الماضي بلا دار.
دون تأفف أو اعتراض، كان كل واحد منهم يتمنّى أن تبقى له تلك الدار فقط، رغم كل مصاعب الحياة التي يُكابدها ومن العيش المر والظروف الصعبة التي يُقاسيها، دار أو غرفة واحدة على الأقل ليستمر عن طريقها في استضافة الناس، مُتربِعا على عرش الكرم وحُسن الضيافة، يمسح بكفّ دمع أعينه ويمدّ بكف أخرى طبق التّمر ويصب ابنه الشاي في كؤوس كبيرة وتودّع نهاية زوجته الزّائر عند الباب بقفة تقليدية مُحمّلة بأكياس من الحناء والسواك وتمرا إضافيا.
الخراب طال أغلب الأحياء والمنازل، والشوارع غدَت مساكِن مُؤقتة للنّاس، أفرِشة وأغطية في كل مكان وأسر تفترش الأرض وتلتحف الفضاء، المنطقة التي لم يهدأ روع قاطنيها من الهجوم المتكرر لانتشار  الكلاب الضالة وتهديدها لسلامتهم وسلامة صِغارهم، تمضي بخطى ليست ثابتة لكنها غير آبهة نحو الكلاب لتُشاركهم المبيت خارجا.
سَريان الوادِي المُفاجئ كان هو الآخر بمثابة الشّبح، حينما يُفاجئ المنطقة بقدومه في مواسم المطر أو حتّى في مواسم أخرى بلا غير موعد، لكنّ القاعدة تُكسر مرة أخرى ليُصبح ملاذا ينام قربه العديد من السكان هاربين من حصار إلى حصار، توثق إحدى الفتيات عبر شريط فيديو حجم الدمار الذي حل بمنزلهم المتواجد ب”أكجكال” مُتحدثة بحرقة عن الإهمال الذي طالهم كما طال  عائلات عديدة، بقيت إلى حدود اللحظة بلا مأوى، تُتابع حديثها مُتسائلة عن المصير والمُستقبل، أرفقت المتحدثة شريط الفيديو بصور لمكان نومهم الجديد، قرب الوادي تارة أو بين أزقة غير آمنة البتة تارة أخرى، “أكجكال” وكأنها دائما في زلزال قبل أن تحل الكارثة هكذا وصفت المتحدثة حال الدّوار المنكوب.
ينشر آخرون صورا كثيرة لمنازلهم ولمنازل أخرى مهدمة بالكامل، وفي كل المناطق والدواوير والأحياء، الكلّ يُلملم صدمته وحيدا، ويتدبّر مسؤولية لايقوى على حملها دون أي تدخّل.
طاطا بعفّتها تأبى أن تُظهر ضعفا لأحد، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات والأكل والأغطية، عملت جمعيات كثيرة وأشخاص وربات بيوت على جمع المساعدات وتوزيعها على الأشخاص الذين دُمرت بيوتهم، غطّوا برداء إنسانيتهم ومواطنتهم عجز إخوتهم، وضُعف البلاد بل آثر الكثير منهم أن تُعطى المُعاونات للمتضررين في المناطق الأخرى أولا، وذلك ماحدث بالفعل فقد أُرسلت المساعدات، فأصبح المُحتاج يعطي للمحتاج في مشهد يفيض إنسانية وتعاطفا.
أما فيما لم يستطِع له السكان سبيلا فقد اصطفّوا جميعا بدون استثناء يُناظرون السماء أثناء مبيتهم علّ جهة مختصة أو غير مختصة حتّى، ترى تلويح الأيادي بعدما عجز الصّراخ أن يصل فتمدّ للعونِ يدا.
ملحوظة: طاطا تستغيث فعليا، المنازل مهدمة ولم يتحرك ساكن حتى الآن.

الكاتب

شارك هذا المقال

Comments (1)

  • عالي Reply

    الواقع الدي يحز في النفس ، حفظ الله أهل طاطا والشرق عامة ، وكان الله في عونهم

    1 أكتوبر، 2023 at 1:33 ص

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *