-54%

إسكندرية فيلادلفيا

السعر الأصلي هو: EGP 260.00.السعر الحالي هو: EGP 120.00.

عرض السلة

الوصف

في ساعةٍ متأخرةٍ من ليل مدينة الإسكندرية، وفي بردها القارس الشديد وتحت أمطارها الغزيرة، برقت سماؤها المحتجبة بالغيوم بشدة فأضاءت بحرها وشاطئها ومنازلها، ثم رعدت بقوة لتنهمر زخات ثقيلة من ماء غزير. بينما يجلس رجل نحيل طويل الشعر كثيف اللحية مرتديًا ثيابًا رَثَّة بلا مأوى، ملتحفًا بأحد الأكشاك، ترتعد أوصاله من شدة البرد، وتقرقر معدته من شدة الجوع، ويُعتصر قلبه من فرط الخوف والعجز وانعدام الحيلة. وتمرُّ بعض الأقدام بجواره غير منتبهة لوجوده أحيانًا، وغير مكترثة بحاله أحيانًا أخرى. لم يخطر بباله أبدًا أن يلوم أيًّا من المارة، فربما لو كانت له حياة كحياتهم ما لاحظ وجود متشرد على أحد الأرصفة. لربما اهتم أكثر بالإسراع للعودة إلى بيته ورؤية زوجته وأبنائه وأحفاده، ولشغل عقلَه أكثر طبق ساخن من شوربة العدس اللذيذة ينتظر وصوله ليملأ به معدته ويدفئ به كل خلية حية بجسده تحتاج إلى الدفء لتستكمل عملياتها الحيوية بنشاط. لم يشغل باله كثيرًا كيف يراه الناس، ولم يشعر حتى بالأسى لحاله؛ فالاعتياد يبلِّد الشعور. اشتدَّ عليه البرد فاحتضن ركبتيه ليثبتهما على جسده وليمنعهما من الارتعاش المستمر. كم يفتقد بطانيته الرمادية الخشنة وغطاء المشمع السميك، فقد أخذتهما منه الريح في الخريف، كانت ريحًا عاتية، يسمونها “نوة المكنسة”، كنست في طريقها الكثير من الأشياء ولكن كان أهمها الرفيقين، المشمع السميك والبطانية الخشنة. تقترب منه فتاة سمراء في أواخر العشرينيات من عمرها في ملابس رثة وشعر كث غير مهندم، تحمل على كتفها صندوقًا به بعض التفاح المغطى بحلوى حمراء اللون. وعلى الرغم من كون فكرة تغطية الفاكهة بالحلوى سخيفة، فإنها لقيت رواجًا لا سيما بين الأطفال الذين يفضلون الحلوى على الفاكهة، وقد امتلأ صندوقها بهذه الفاكهة المغطاة بالحلوى، أي أنها لم تَبِعْ منه إلا القليل، فالشتاء هو موسم الكساد لعروس البحر الأبيض المتوسط؛ فلا مصطافين ولا زوار ولا متنزهين كالصيف. تهز كتف عم توفيق بقوة، (عم توفيق، عم توفيق… أجبني)، وتعيد النداء بصوت أعلى، (استيقظ يا عم توفيق، أنا عبلة، فلتأكل هذه إذن) وتعطيه إحدى التفاحات المغطاة بالحلوى في يده وتقول في نفسها:
– يعلم الله أني لم أَذُق الطعام منذ الصباح. ولو علمت خالتي أني أعطيتك من هذه التفاحات لانتقمتْ مني شر انتقام.

المراجعات

لا توجد مراجعات بعد.


كن أول من يقيم “إسكندرية فيلادلفيا”